النّبوي وتقييده. فكان أوّل من دوّن العلم محمد بن شهاب الزّهري، وكان أوّل من صنّف وبوّب سعيد بن أبي عروبة (a) والرّبيع بن صبيح بالبصرة، ومعمر بن راشد باليمن، وابن جريج بمكّة، ثم سفيان الثّوري بالكوفة، وحمّاد بن سلمة بالبصرة، والوليد بن مسلم بالشّام، وجرير ابن عبد الحميد بالرّيّ، وعبد اللّه بن المبارك بمرو وخراسان، وهشيم بن بشير بواسط. وتفرّد بالكوفة أبو بكر بن أبي شيبة بتكثير الأبواب وجودة التّصنيف وحسن التّأليف (١).
فوصلت أحاديث رسول اللّه ﷺ من البلاد البعيدة إلى من لم تكن عنده، وقامت الحجّة على من بلغه شيء منها، وجمعت الأحاديث المبيّنة لصحّة أحد التأويلات المتأوّلة من الأحاديث، وعرف الصّحيح من السّقيم، وزيف الاجتهاد المؤدّي إلى خلاف كلام رسول اللّه ﷺ، وإلى ترك عمله، وسقط العذر عمّن خالف ما بلغه من السّنن ببلوغه إليه وقيام الحجّة عليه.
وعلى هذا الطّريق كان الصّحابة ﵃ وكثير من التّابعين يرحلون في طلب الحديث الواحد الأيّام الكثيرة، يعرف ذلك من نظر في كتب الحديث، وعرف سير الصّحابة والتّابعين (٢).
فلمّا قام هارون الرّشيد في الخلافة، وولّى القضاء أبا يوسف يعقوب بن إبراهيم (٣) - أحد أصحاب أبي حنيفة رحمهما اللّه تعالى - بعد سنة سبعين ومائة. فلم يقلّد ببلاد العراق وخراسان والشّام ومصر إلاّ من أشار به القاضي أبو يوسف ﵀ واعتنى به.
وكذلك لمّا قام بالأندلس الحكم المرتضى بن هشام بن عبد الرّحمن بن معاوية بن هشام ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم (٤) بعد أبيه، وتلقّب بالمنتصر في سنة ثمانين ومائة، اختصّ بيحيى
(a) بولاق: سعيد بن عروبة. (١) راجع أيضا، الذهبي: تاريخ الإسلام (نشرة حسام الدّين القدسي) ٥: ٦ - ٦؛ أبا المحاسن: النجوم الزاهرة ٣١٥: ١. (٢) راجع حول هذا الموضوع، Sezgin، F.، GASI، pp. ٥٥ - ٥٨ (الترجمة العربية ١١٩: ١ - ١٢٣). (٣) أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن خنيس الأنصاري الكوفي البغدادي، صاحب الإمام أبي حنيفة وتلميذه وأوّل من نشر مذهبه، المتوفى سنة ١٨٢ هـ/ ٧٩٨ م. (وكيع: أخبار القضاة ٢٥٤: ٣ - ٢٦٤؛ الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد ٢٦٢: ١٤ - ٢٦٦؛ ابن خلكان: وفيات الأعيان ٣٧٨: ٦ - ٣٩٠؛ القرشي: الجواهر المضية ٦١١: ٣ - ٦١٣؛. (Sezgin، F.، GASI، ٤١٩ - ٢١ (٤) راجع ترجمة الحكم بن هشام الرّبضي صاحب الأندلس، المتوفى سنة ٢٠٦ هـ/ ٨٠٢ م عند، ابن الأبار: -