تحت هذا الحدّ الثاني من الأراضي، ثم يفتح هذا الحدّ في يوم عيد الصّليب (١) بعد النّوروز بتسعة (a) عشر يوما حتى يجري الماء ويقف على حدّ ثالث حتى يروي ما تحت هذا الحدّ من الأراضي/، ثم يفتح هذا الحدّ فيجري الماء ويروي ما هنالك من الأراضي، ويصبّ في البحر الملح؛ هذا هو الحال في سدود أراضي مصر.
وقوله: «إنّ ماء البحر يصعد أكثر من عشرين ميلا في حلق رشيد وتنّيس ودمياط، فلو كان النّيل (b) خاليا من الماء العذب لوصل البحر من أسوان إلى منتهى بلوغ الرّدع»، فنقول: هذا قول من لم يعرف أرض مصر، فإنّ النّيل عند مصبّه بأعالي أسوان يكون أعلى منه عند كونه أسفل الأرض بقامات عديدة، فإذا فاض ماء البحر حسبه أن يتدافع هو وماء النّيل. وربّما غلب ماء البحر ماء النّيل في أيّام نقصان النّيل حتى يملح ماء النّيل فيما بين دمياط وفارسكور. وأمّا في أيّام زيادة النّيل فإنّي شاهدت مصبّ النّيل في البحر من دمياط، وكلّ منهما يدافع الآخر فلا يطيقه، حتى صارا متمانعين (c)) وفي منظرهما حينئذ (c) عبرة لمن اعتبر!
قوله:«إنّ الأسداد إذا فتحت علم أهل أسوان بذلك في الحال» غير مسلّم، بل لم نزل نشاهد النّيل في الأعوام الكثيرة إذا فتح منه خليج أو انقطع مقطع فأغرق ماؤه أراضي كثيرة، لا يظهر النّقص فيه إلاّ فيما قرب من ذلك الموضع، وما برح المفرّد يخرج من قوص ببشارة وفاء النّيل، وقد أوفى عندهم ستة عشر ذراعا، فلا يوفّي ذلك المقياس بمصر إلاّ بعد ثلاثة أيّام ونحوها.
وأمّا قوله:«إنّ ما كان من النّيل يمرّ ببلاد الحبشة يخالفه» فليس كذلك، بل الزّيادة في النّيل أيّام زيادته تكون ببلاد النّوبة وماوراءها في الجنوب كما تكون في أرض مصر، ولا فرق بينهما إلاّ في شيئين: أحدهما أنّه في أرض مصر يجري في حدود، وهناك يتبدّد على الأراضي. والثاني أنّ زيادته تعتبر بالقياس في أرض مصر وهناك لا يمكن قياسه لتبدّده. ومن عرف أخبار مصر علم أنّ زيادة ماء النّيل تكون من أمطار الجنوب.
ويقال: إنّ النّيل ينصبّ من عشرة أنهار من جبل القمر المتقدّم ذكره، كلّ خمسة أنهار من شعبة، ثم تتبحّر تلك الأنهار العشرة في بحيرتين (d) كلّ خمسة أنهار تتبحّر بحيرة بذاتها، ثم
(a) بولاق: بسبعة. (b) ساقطة من بولاق. (c-c)) ساقطة من بولاق. (d) بولاق: بحرين. (١) عن عيد الصليب انظر فيما يلي ٣٧٤.