فلمّا قتل السّلطان حسن، وأقيم من بعده في المملكة الملك المنصور محمد بن المظفّر حاجي في جمادى الأولى سنة اثنتين وستين، خامر الأمير بيدمر نائب الشّام على الأمير يلبغا العمري القائم بتدبير دولة الملك المنصور، ووافقه جماعة من الأمراء منهم الأمير منجك، فخرج الأمير يلبغا بالمنصور والعساكر من قلعة الجبل إلى البلاد الشّامية، فوافى دمشق. فمشى (a) النّاس بينه وبين الأمير بيدمر حتى تمّ الصّلح، وحلف الأمير يلبغا أنّه لا يؤذي بيدمر ولا منجك، فنزلا من قلعة دمشق، وقيّدهما وبعث بهما إلى الإسكندرية فسجنا بها، إلى أن خلع الأمير يلبغا المنصور، وأقام بدله الملك الأشرف شعبان بن حسين، وقتل الأمير يلبغا، فأفرج الملك الأشرف عن منجك، وولاّه نيابة السّلطنة بدمشق عوضا عن الأمير أمير (b) عليّ المارديني (c) في جمادى الأولى سنة تسع وستين.
فلم يزل في نيابة دمشق إلى أن حضر إلى السّلطان زائرا في سنة سبعين بتقادم كثيرة جليلة، وعاد إلى دمشق، وأقام بها إلى أن استدعاه السّلطان في سنة خمس وسبعين إلى مصر، وفوّض إليه نيابة السّلطنة بديار مصر، وعمله أتابك العساكر، وجعل تدبير المملكة إليه، وأن يخرج الأمريات (d) بالبلاد الشّامية، وأن يولّي ولاة أقاليم مصر والكشّاف، ويخرج الإقطاعات بمصر من عبرة ستّ مائة دينار إلى ما دونها. وكانت عادة النّوّاب قبلة ألاّ يخرج من الإقطاعات إلاّ ما عبرته أربع مائة دينار فما دونها. فعمل النّيابة على قالب جائر وحرمة وافرة إلى أن مات حتف أنفه في يوم الخميس التاسع والعشرين من ذي الحجّة سنة ستّ وسبعين وسبع مائة، وله من العمر نيّف وستون سنة (e)، وشهد جنازته سائر الأعيان، ودفن بتربته المجاورة لجامعه هذا (١).
(a) بولاق: ومشى. (b) ساقطة من بولاق. (c) بولاق: المارداني. (d) بولاق: الأمهات. (e) درر العقود: وقد ناهز السبعين. (١) تربة منجك. ما زالت موجودة ويوجد على الجوانب الأربعة للتركيبة الرّخامية التي تعلوها النّصّ التالي: «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم - الآيتان ٢٥٥، ٢٥٦ سورة البقرة - هذا قبر المقرّ الأشرف العالي المولوي السّيفي منجك كافل الممالك الشريفة الإسلامية. توفي يوم الخميس بعد العصر تاسع عشرين شهر ذي الحجة الحرام سنة ستّ وسبعين وسبع مائة، ودفن بكرة يوم الجمعة سلخ شهر ذي الحجة غفر اللّه له ولمن ترحّم عليه». van Berchem،) M.، CIA Egypte I، n ٠ ١٥٨; Kallus، L.، RCEA (XVII n ٠ ٧٧٦٠٠٢.