واتّفق أنّه كان قد حجّ محمد بن يوسف مقدّم الدّولة في تجمّل (a) كثير بلغ عليق جماله في اليوم مائتي عليقة. ولمّا قدم في المحرّم مع الحاج، أهدى للنّائب وللوزير وللأمير طاز وللأمير صرغتمش هدايا جليلة، ولم يهد للأمير شيخو ولا للأمير مغلطاي شيئا. ثم لمّا عاب النّاس عليه ذلك أهدى بعد عدّة أيّام للأمير شيخو هديّة، فردّها عليه.
ثم إنّه أنكر على الوزير في مجلس السّلطان ما يفعله ولاة البر، وما عليه مقدّم الدّولة من كثرة المال، وأغلظ في القول. فرسم بعزل الولاة، والقبض على المقدّم محمد بن يوسف وابن عمه المقدّم أحمد بن زيد، فلم يسع الوزير غير السّكوت.
فلمّا كان في رابع عشرين شوّال سنة إحدى وخمسين، قبض على الوزير منجك وقيّد، ووقعت الحوطة على سائر حواصله، فوجدت له زردخاناه حمل خمسين جملا، ولم يظهر من النّقد/ كثير مال فأمر بعقوبته. فلمّا خوّف أقرّ بصندوق فيه جوهر، وقال: سائر ما كان يتحصّل لي من النّقد كنت أشتري به أملاكا وضياعا وأصناف المتاجر. فأحيط بسائر أمواله وحمل إلى الإسكندرية مقيّدا، واستقرّ الأمير بلبان السّناني نائب البيرة أستادّارا عوض منجك بعد حضوره منها، وأضيفت الوزارة إلى القاضي علم الدّين بن زنبور ناظر الخاصّ.
فلم يزل منجك مسجونا بالإسكندرية إلى أن خلع الملك النّاصر حسن، وأقيم بدله في المملكة أخوه الملك الصّالح صالح، فأمر بالإفراج عن الأمير شيخو والأمير منجك، فحضرا إلى القاهرة في رجب سنة اثنتين وخمسين. ولمّا استقرّ الأمير منجك بالقاهرة، بعث إليه الأمير شيخو خمس رءوس خيل وألفي دينار، وبعث إليه جميع الأمراء بالتّقادم.
وأقام بطّالا (١) يجلس على حصير فوقه ثوب سرج عتيق، وكلّما أتاه أحد من الأمراء يبكي ويتوجّع ويقول:«أخذ جميع مالي حتى صرت على الحصير». ثم كتب فتوى تتضمّن أنّ رجلا مسجونا في قيد، هدّد بالقتل إن لم يبع أملاكه، وأنّه خشي على نفسه القتل فوكّل في بيعها.
فكتب له الفقهاء «لا يصحّ بيع المكره». ودار على الأمراء، وما زال بهم حتى تحدّثوا له مع
(a) بولاق: محمل. (١) البطّالون من الأمراء والأجناد هم العاطلون من أعمال الدّولة ووظائفها وإقطاعاتها، نتيجة غضب السّلطان أو كبر السّنّ، أو اضطرارا إلى الاعتكاف والاختفاء، أو لمجرّد حبّ الانزواء والابتعاد. (المقريزي: السلوك ٧٣: ١ هـ ٤).