للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فلمّا دخلت سنة خمسين رسم الوزير منجك لمتولّي القاهرة (١) بطلب أصحاب الأرباع (٢)، وكتابة جميع أملاك الحارات والأزقّة وسائر أخطاط مصر والقاهرة، ومعرفة أسماء سكّانها والفحص عن أربابها، ليعرف من توفّر عنه ملك بموته في الفناء. فطلبوا الجميع وأمعنوا في النّظر، فكان يوجد في الحارة الواحدة والزّقاق الواحد ما يزيد على عشرين دارا خالية لا يعرف أربابها، فختموا على ما وجدوه من ذلك، ومن الفنادق والخانات والمخازن حتى يحضر أربابها.

وفي شعبان عزل ولاة الأعمال، وأحضرهم إلى القاهرة وولّى غيرهم، وأضاف إلى كلّ وال كشف الجسور التي في عمله، وضمن الفأر (a) سائر جهات القاهرة ومصر، بحيث إنّه لا يتحدّث أحد معه من المقدّمين والدّواوين والشّادين، وزاد في المعاملات ثلاث مائة ألف درهم. وخلع عليه ونودي له بمصر والقاهرة، فاشتدّ ظلمه وعسفه، وكثرت حوادثه (٣).

فلمّا كانت ليالي عيد الفطر، عرّف الوزير الأمراء أنّ سماط العيد ينصرف عليه جملة ولا ينتفع به أحد، فأبطله ولم يعمل تلك السّنة.

وفي ذي القعدة توقّف حال الدّولة، ووقف مماليك السّلطان وسائر المعاملين والحوائج كاشيّة، وانزعج السّلطان والأمراء بسبب ذلك على الوزير فاحتجّ بكثرة الكلف وطلب الموفّق ناظر الدّولة فقال: إنّ الإنعامات قد كثرت، والكلف تزايدت، وقد كانت الحوائج خاناه في أيّام الملك


(a) بولاق: الناس.
(١) يوجد ابتداء من هذا الموضع سقط في نسخة باريس يستمرّ إلى أثناء صفحة ٤٦٣ فيما يلي.
(٢) صاحب الرّبع ج. أصحاب الأرباع، ويقال أيضا أصحاب الأرباع والحارات. هم المشرفون على كلّ قطاع سكني أو حارة في المدينة، يعرفون المقيمين في كلّ ربع أو حارة وكانوا يقومون أيضا بالإشراف على عمليات إصلاح الشّوارع التي كانت واجبة على ملاّك المباني التي تحدّها. وكان هذا الموظّف مع أعوانه أوّل من يتحرّكون عند ما يهدّد النّظام العام. (ابن الطوير: نزهة المقلتين ٢٥؛ القلقشندي: صبح الأعشى ٣٥١: ١٠؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ١٨٥: ٥).
(٣) الفأر، هو ناصر الدّين المعروف بفأر السّقوف، كان إمام السّلطان يصلّي به وناظر المشهد النّفيسي، ثم سجن في الأيّام النّاصرية محمد بن قلاوون وكتب على قيده: مخلّد بعد ما صودر وضرب بالمقارع لقبح سيرته، فلم يزل مسجونا إلى أن أفرج عنه في جملة المحابيس في أيّام الصّالح إسماعيل، ثم اتّصل بالوزير منجك اليوسفي فاستماله وجعله على ضمان جهات القاهرة ومصر بأجمعها، فزاد في المعاملات، أي الأموال المقرّرة على التجار وذوي اليسار وأرباب العقار، ثلاث مائة ألف درهم في السنة. (المقريزي: السلوك ٦: ٢:، ٨٠٦).