كبير - ومعه زنجلة، إذا توسّط أحدهم في الوعظ، ويقول:
[الكامل]
تصدّقي (a) لا تأمني أن تسألي … فإذا سألت عرفت ذلّ السّائل
ويدور على الرّجال والنّساء، فيلقى له في الزّنجلة ما يسّره اللّه تعالى، فإذا فرغ من التّطواف، وضع الزّنجلة أمام الشّيخ، فإذا فرغ من وعظه فرّق على الفقراء ما قسم لهم، وأخذ الشّيخ ما قسم له وهو الباقي، ونزل عن الكرسي.
وكان/ جماعة من الرّؤساء يلزمون النّوم بهذا الجامع، ويجلسون به في ليالي الصّيف للحديث في القمر في صحنه، وفي الشّتاء ينامون عند المنبر، وكان يحصل لقيّمه القاضي أبي حفص الأشوية (b) والحلوى وغير ذلك.
قال الشّريف محمد بن أسعد الجوّاني النّسّابة: حدّثني الأمير أبو عليّ تاج الملك جوهر، المعروف بالشّمس الجيوشي، قال: اجتمعنا ليلة جمعة جماعة من الأمراء بنو معزّ الدّولة وصالح وحاتم وراجح وأولادهم وغلمانهم، وجماعة ممّن يلوذ بنا كابن الموفّقي القاضي ابن داود وأبي المجد بن الصّيرفي أبي الفضل روزبة وأبي الحسن الرّضيع. فعملنا سماطا وجلسنا، واستدعينا بمن في الجامع وأبي حفص فأكلنا، ورفعنا الباقي إلى بيت الشّيخ أبي حفص قيّم الجامع، ثم تحدّثنا ونمنا. وكانت ليلة باردة، فنمنا عند المنبر. وإذا إنسان نصف الليل، ممّن نام في هذا الجامع من عابري السّبيل، قد قام قائما وهو يلطم على رأسه، ويصيح: وا مالاه، وا مالاه! فقلنا له: ويلك! ما شأنك، وما الذي دهاك، ومن سرقك، وما سرق لك؟ فقال: يا سيّدي أنا رجل من أهل طرا، يقال لي أبو كبريت (c) الحاوي، أمسى عليّ الليل ونمت عندكم، وأكلت من خيركم - وسّع اللّه عليكم - ولي جمعة أجمع في سلّتي من نواحي طرا، والحيّ الكبير والجبل، كلّ غريبة من الحيّات والأفاعي ما لم يقدر عليه قطّ حاو غيري، وقد انفتحت السّاعة السّلّة، وخرجت الأفاعي وأنا نائم لم أشعر. فقلت له: إيش تقول؟ فقال: إي واللّه، يا للنّجدات! فقلنا: يا عدوّ اللّه أهلكتنا ومعنا صبيان وأطفال. ثم إنّا نبّهنا النّاس، وهربنا إلى المنبر وطلعنا وازدحمنا فيه، ومنّا من طلع على قواعد العمد فتسلّق وبقي واقفا.