للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كتاب مصوّر أو النّظر إلى صورة أو تزويق. ولمّا استدعى ابن عزيز من العراق فأفسده، وكان قد أتى به في محاربة القصير، لأنّ القصير كان يشتطّ في أجرته ويلحقه عجب في صنعته، وهو حقيق بذلك لأنّه في عمل الصّورة كابن مقلة في الخطّ، وابن عزيز كابن البوّاب. وقد أمعن شرح ذلك في الكتاب المؤلّف فيه، وهو «طبقات المصوّرين» المنعوت ب «ضوء النّبراس وأنس الجلاّس في أخبار المزوّقين من النّاس» (١).

وكان اليازوري قد أحضر بمجلسه القصير وابن عزيز، فقال ابن عزيز: أنا أصوّر صورة إذا رآها النّاظر ظنّ أنّها خارجة من الحائط. فقال القصير: لكن أنا أصوّرها فإذا نظرها النّاظر ظنّ أنّها داخلة في الحائط. فقالوا: هذا أعجب. فأمرهما أن يصنعا ما وعدا به. فصوّرا صورة راقصتين في صورة حنيتين مدهونتين متقابلتين، هذه ترى كأنّها داخلة في الحائط، وتلك ترى كأنّها خارجة من الحائط. فصوّر القصير راقصة بثياب بيض في صورة حنية دهنها أسود كأنّها داخلة في صورة الحنية، وصوّر ابن عزيز راقصة بثياب حمر في صورة صفراء كأنّها بارزة من الحنية.

فاستحسن اليازوري ذلك، وخلع عليهما، ووهبهما كثيرا من الذّهب.

وكان بدار النّعمان بالقرافة (٢)، من عمل الكتامي، صورة يوسف في الجبّ وهو عريان والجبّ كلّه أسود، إذا نظره الإنسان ظنّ أنّ جسمه نات (a) من دهن لون الجبّ.

وكان هذا الجامع من محاسن البناء، وكان بنو الجوهري يعظون بهذا الجامع على كرسي في الثلاثة أشهر، فتمرّ لهم مجالس مبجّلة تروق وتشوق، ويقوم خادمهم زهر البان - وهو شيخ


(a) بولاق: باب.
(١) للأسف الشّديد فقد هذا الكتاب الآن ولم يصل إلينا منه شيء مقتبسا لدى أحد من المؤلّفين المتأخّرين سوى ما نقله المقريزي هنا. وواضح من عنوان هذا الكتاب انتشار المصوّرين والمزوّقين والمزمّكين الذي دعا إلى تأليف كتاب في طبقاتهم لا نعرف للأسف اسم مؤلّفه والفترة التي ألّف فيها. ولا شكّ أنّه تناول فيه أسماء المصوّرين والمزوّقين الذين صوّروا وزيّنوا كذلك المخطوطات العربية وفواتح وخواتيم المصاحف الشّريفة (frontispice). وقد لفت وجود مثل هذا الكتاب انتباه العديد من المستشرقين والباحثين العرب. (راجع، Wiet، G.، «L'Exposition d'art persan a Londres»، Syria (١٩٣٢)، pp. ٢٠٢ - ٣; Hautecoeur، L. & Wiet، G.، Les mosquees du Caire، pp. ١٧٩ - ٨٠؛ زكي محمد حسن: كنوز الفاطميين ٩٠ - ٩٣؛ وانظر كذلك James، D.، Qur'ans of the Mamluks، London- (Alexandria Press ١٩٨٨.
(٢) دار النّعمان بالقرافة الكبرى. كانت تقع أمام مسجد تاج الملوك بالقرافة، الذي لم يحدّده المقريزي بأكثر من ذلك. (فيما يلي ٨٦٧).