للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنها أنّ الخلجان إذا سدّت ولم يكن لها وادع من البحر، كان السّيل يمدّ (a) من جنبه إلى البحر، إذ أسفل النّيل أوسع وأخفض من أعلاه.

ومنها أنّ ماء البحر يصعد أكثر من عشرين ميلا في حلق رشيد وتنّيس ودمياط، كما يفعل في سائر الأدوية التي يدخلها (b) المدّ والجزر، فلو كان النّيل خاليا من الماء العذب، وصل البحر من أسوان إلى منتهى بلوغ الرّدع، لأنّ الماء يطلب بطبعه ما انخفض من الأرض، وأن تكون صفحته (c) كرة مستوية الخطوط الخارجة من النّقطة إلى المحيط متساوية.

ومنها أنّها إذا فتحت تلك الأسداد، وكسرت الخلج، وفاض النّيل على بطائح أرض مصر، شعر بذلك أهل أسوان للحين، وقالوا: في هذه السّاعة كسرت الخلج وفاض ماء النّيل على أرض مصر، لأنّ ذلك يتبيّن لهم بتحوّل الماء دفعة. فلو كان سيلا، وهم على أعلى المصبّ، لقالوا:

قد ارتفع المطر عن الأرض التي يسيل منها السّيل.

ومنها أنّ قسيمه الذي يمرّ ببلاد الحبشة، المنبعث وإياه من جبل القمر، لا يفيض كمدّة فيض النّيل ثلاثة أشهر، ولا يقيم على وجه الأرض مدّة مقامه، لكنّه إذا كثر فيه السّيل غمر جوانبه على قدر انبساطها، فإذا انصبّت (d) مادّته أزرع (e) عليه، فلو كان فيض النّيل عن السّيل، وهما من شعب واحد، لكان شأنهما واحدا.

ولا نقول إنّ فيض النّيل بسبب فيض البحر فقط، إذ لولا كونه سيل ماء لما دخل ردع البحر إليه، ولكان شاطئ ديار مصر كسائر السّواحل المجاورة له، ولولا السّيل السّائل فيه لردمه البحر، إذ عادة البحر ردم السّواحل. وإنّما دخل/ الشّكّ على أهل مصر في أيّام النّيل لأنّهم لم يشاهدوا منشأه، ولا عاينوا مبدأه من جبل القمر، لأنّه في موضع لا ساكن عليه، ولم يحقّقوا (f) المدّ السّنوي الرادع له، فلم يتحقّقوا شيئا من أمره لأنّه بعيد من أذهان العامّة أن يعلموا أنّ ماء البحر يعظم في أيّام الصّيف، لأنّ المعهود عندهم في البحر أن يعظم في أيّام الشّتاء. وطمو البحر في الشّتاء إنّما (g) يكون عن الرّياح الهابّة عليه من أحد جانبيه، فيفيض ويخرج إلى الجانب الآخر، إلاّ ما كان من البحر المحيط فإنّه يتحرّك أبدا من داخل البحر إلى البرّ، وهو أنّ المحيط يطلب بطبعه أن يكون على وجه الأرض، والأرض ليست بسطة فهي تمانعه بما فيها من التركيب، فهو يطلب أبدا أن يعلوها وتركيبها يبرزها (h).


(a) ساقطة من بولاق.
(b) بولاق: تدخل.
(c) بولاق: يكون في صفحة.
(d) بولاق: وإذا نضبت.
(e) بولاق: أردع.
(f) بولاق: ولا تحققوا.
(g) بولاق: إمّا.
(h) بولاق: ويركبها ببردها.