للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وضربت السّكّة باسمه في بغداد (a) في شوّال سنة إحدى وأربعين وسبع مائة قبل موته، تولّى ذلك الشّيخ حسن بن حسين، بحضور الأمير شهاب الدّين أحمد قريب السّلطان، وقد توجّه من مصر بهذا السّبب. وخطب له أيضا أرتنا ببلاد الرّوم (١)، وضربت السّكّة باسمه، وكذلك ببلاد ابن قرمان وجبال الأكراد وكثير من بلاد الشّرق.

وكان من الذّكاء المفرط على جانب عظيم، يعرف مماليك أبيه ومماليك الأمراء بأسمائهم ووقائعهم، وله معرفة تامّة بالخيل وقيّمها، مع الحشمة والسّيادة؛ لم يعرف عنه قطّ أنّه شتم أحدا من خلق اللّه، ولا سفّه عليه، ولا كلّمه بكلمة سيّئة، وكان يدعو الأمراء أرباب الأشغال بألقابهم.

وكانت همّته عليّة، وسياسته جيّدة، وحرمته عظيمة إلى الغاية، ومعرفته بمهادنة الملوك لا مرمى وراءها يبذل في ذلك من الأموال ما لا يوصف كثرة، فكان كتابه ينفذ أمره في سائر أقطار الأرض كلّها. وهو مع ما ذكرنا مؤيّد في كلّ أموره، مظفّر في جميع أحواله، مسعود في سائر حركاته، ما عانده أحد أو أضمر له سوءا إلاّ وندم على ذلك أو هلك.

واشتهر في حياته بديار مصر أنّه إن وقعت قطرة من دمه على الأرض لا يطلع نيل مصر مدّة سبع سنين. فمتّعه اللّه من الدّنيا بالسّعادة العظيمة في المدّة الطّويلة، مع كثرة الطّمأنينة والأمن وسعة الأموال. واقتنى كلّ حسن ومستحسن من الخيل والغلمان والجواري، وساعده الوقت في كلّ ما يحب ويختار إلى أن أتاه الموت.


(a) في بغداد: ساقطة من بولاق.
(١) الأمير علم الدّين أرتنا - بفتح الهمزة وبعد الراء المفتوحة تاء ثالثة الحروف ساكنة ثم نون وألف - كان حاكما ببلاد الرّوم من قبل الملك بو سعيد أحد إيلخانات فارس. فلمّا مات بو سعيد كاتب أرتنا السّلطان النّاصر محمد بن قلاوون ليكون نائبا له، فأجابه النّاصر محمد إلى ذلك وبعث إليه بالخلع السّنيّة ولقّبه «نائب السّلطنة الشّريفة بالبلاد الرّومية»؛ وتوفي أرتنا سنة ٧٥٣ هـ/ ١٣٥٢ م. (الصفدي: أعيان العصر ٤٤٨: ١ - ٤٤٩، الوافي بالوفيات ٣٣٧: ٨ - ٣٣٨؛ المقريزي: السلوك ١٨٦: ٢ - ١٨٧ هـ ٥؛ ابن حجر: الدرر الكامنة ٣٧١: ١؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٢٨٩: ١٠، المنهل الصافي ٢٩٤: ٢).