للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وشدّد على النّصارى، فلم يمكّنه أمراء الدّولة من حملهم على الصّغار والمذلّة في ملبسهم.

وأمر فضرب الذّهب، كلّ دينار زنته مثقال واحد، وأراد بذلك إبطال ما حدث من المعاملة بالذّهب الأفرنجي (١) فضرب ذلك، وتعامل النّاس به مدّة، وصار يقال «دينار سالمي» (a)، إلى أن ضرب النّاصر فرج دنانير وسمّاها «النّاصريّة» (٢)، وصار يحكم في الأحكام الشّرعيّة. فقلق منه أمراء الدّولة وقاموا في ذلك، فمنع من الحكم إلاّ فيما يتعلّق بالدّيوان المفرد وغيره ممّا هو من لوازم الأستادّار.


(a) في درر العقود الفريدة: وأمر بضرب الذّهب الإفرنتي الذي هو من ضرب الفرنج وعليه شعار النّصرانية، فراج ديناره وعرف بالدّينار السّالمي.
(١) الذّهب الإفرنجي (ويقال له الأفرنتي والأفلوري والبندقي وأيضا الدّوكاه أو الدّوكات - وهو مصطلح يطلق على الأخصّ على ما ضرب منها في البندقية)، هو الذّهب المجلوب من بلاد الإفرنج. وكان يطلق عليه كذلك الدّنانير المشخّصة لأنّه - على عكس الدّنانير الإسلامية - كانت توجد على أحد وجهيه صورة الملك الذي تضرب في زمنه، وعلى الوجه الآخر صورتا بطرس وبولس الحواريين اللذين بعث بهما المسيح إلى روما. وبدئ في التّعامل بالذّهب الإفرنجي في القاهرة في حدود سنة تسعين وسبع مائة حتى صار نقدا رائجا، وبلغ صرف كلّ دينار منه مائتي درهم وثلاثين درهما من الفلوس، ووزن كلّ مائة دينار من هذا الذّهب أحد وثمانون مثقالا وربع مثقال.
أمّا النّقود الإسلامية فكانت تصنع من الذّهب الذي يقال له: «الذّهب الهرجة» الذي تصنع منه الدّنانير الخالصة من الغشّ، وهو مستدير الشّكل على أحد وجهيه شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمدا رسول اللّه، وعلى الوجه الآخر اسم السّلطان وتاريخ ضربه واسم المدينة التي ضرب فيها - وهي في هذا الوقت إمّا القاهرة أو دمشق أو الإسكندرية - وبلغ كلّ مثقال منه إلى مائتي درهم وخمسين درهما من الفلوس، وكلّ سبعة مثاقيل زنتها عشرة دراهم. (المقريزي: السلوك ٣٠٤: ٤ - ٣٠٦، ٧٠٩ - ٧١٠).
(٢) الدّينار السّالمي هو الدّينار الذي أمر بضربه في سنة ٨٠٣ هـ/ ١٤٠٠ م الأمير يلبغا السّالمي، وهو دينار ذهب محرّر الوزن زنة كلّ دينار منه مثقال، وربما كان منها ما زنته مثقال ونصف أو مثقالان، وربما كان نصف مثقال أو ربع مثقال. والغالب فيها نقص أوزانها، وكان هذا النّقص في نظير كلفة ضربها. وكان في وسط هذه الدّنانير دائرة مكتوب فيها «فرج»، وكان يتعامل به عددا.
وفي سنة ٨٠٨ هـ/ ١٤٠٥ م ضرب أوّل دينار من «الدّنانير النّاصرية» التي ضربها السّلطان النّاصر فرج، وهي دنانير على زنة الدّنانير الإفرنتية، في أحد وجهيها «لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه»، وعلى الوجه الآخر اسم السّلطان النّاصر فرج، وفي وسطه سفط مستطيل بين خطّين، وصارت أكثر المعاملات تتمّ بهذه الدّنانير، ولكنهم كانوا ينقصونها عن الدّنانير الإفرنتيه عشرة دراهم. وهو أوّل دينار مصري يزن أقلّ من الوزن التقليدي. (راجع القلقشندي: صبح الأعشى ٤٣٧: ٣ - ٤٣٨؛ المقريزي: السلوك ١٠٤١: ٣، ١٠٥٥، ١٦٥: ٤ - ١٦٦، ٩٤١ - ٩٤٤، إغاثة الأمة ٧١ - ٧٢، وراجع كذلك الدراسة الهامة لوليم بوبر Popper، W.، Egypt and Syria under the Circassian Sultans ١٣٨٢ - ١٤٦٦ A.D.، University of California Press ١٩٥٧، pp. ٤٥ - ٧٩؛ وأيضا دراسات -