فلمّا كان يوم الثلاثاء رابع عشر ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمس مائة، وثب جماعة على الآمر وقتلوه كما ذكر عند خبر الهودج (١). وكان كريما سمحا إلى الغاية، كثير النّزهة، محبّا للمال والزّينة؛ وكانت أيّامه كلّها لهوا وعيشة راضية لكثرة عطائه وعطاء حواشيه، بحيث لم يوجد بمصر والقاهرة إذ ذاك من يشكو زمانه ألبتّة إلى أن نكّد بالرّاهب على النّاس، فقبحت سيرته وكثر ظلمه واغتصابه للأموال.
وفي أيّامه ملك الفرنج كثيرا من المعاقل والحصون بسواحل الشّام. فملكت عكّا في شعبان سنة سبع وتسعين، وعرقة (a) في رجب سنة اثنتين وخمس مائة، وطرابلس في ذي الحجّة منها، وبانياس وجبيل وقلعة تبنين فيها أيضا، وملكوا صور في سنة ثمان عشرة وخمس مائة (٢).
وكثرت المرافعات في أيّامه، وأحدثت رسوم لم تكن، وعمّر الهودج بالرّوضة ودكّة ببركة الحبش، وعمّر تنّيس ودمياط، وجدّد قصر القرافة. وكانت نفسه تحدّثه بالسّفر والغارة إلى بغداد، ومن شعره في ذلك (٣):
[الطويل]
دع اللّوم عنّي لست منّي بموثق … فلا بدّ لي من صدمة المتحقّق
وأسقي جيادي من فرات ودجلة … وأجمع شمل الدّين بعد التّفرّق
وقال:
[الطويل]
أما والذي حجّت إلى ركن بيته … جراثيم ركبان مقلّدة شهبا
لأقتحمنّ الحرب حتّى يقال لي … ملكت زمام الحرب فاعتزل الحربا
وينزل روح اللّه عيسى بن مريم … فيرضى بنا صحبا ونرضى به صحبا
وكان أسمر شديد السّمرة، يحفظ القرآن ويكتب خطّا ضعيفا. وهو الذي جدّد رسوم الدّولة وأعاد إليها بهجتها بعد ما كان الأفضل أبطل ذلك ونقل الدّواوين والأسمطة من القصر بالقاهرة إلى دار الملك بمصر، كما ذكر هناك (٤).
(a) بولاق: غزة. (١) فيما تقدم ٥٨٠: ٢، ٥٨١: ٣. (٢) راجع، أيمن فؤاد: المرجع السابق ٢٢٩ - ٢٣٠. (٣) ابن ميسر: أخبار مصر ١١٢؛ ابن الطوير: نزهة المقلتين ١٩؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ١٣٢: ٢؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ١٩٦: ٤، وفيما تقدم ٣٨٣: ٢. (٤) فيما تقدم ٥٧٣: ٢ - ٥٧٦.