وقال ابن أبي طيّ في أخبار سنة ثلاث وتسعين وثلاث مائة في كتابه «تاريخ حلب»: كانت النّصارى اليعقوبية قد شرعوا في إنشاء كنيسة كانت قد اندرست لهم بظاهر مصر في الموضع المعروف براشدة، فثار قوم من المسلمين وهدموا ما بنى النّصارى. وأنهي إلى الحاكم ذلك، وقيل له: إنّ النّصارى ابتدأوا بناءها، وقال النّصارى: إنّها كانت قبل الإسلام. فأمر الحاكم حسين ابن جوهر بالنّظر في حال الفريقين، فمال في الحكم مع النّصارى، وتبيّن للحاكم ذلك، فأمر أن تبنى تلك الكنيسة مسجدا جامعا، فبني في أسرع وقت، وهو جامع راشدة، وراشدة اسم للكنيسة، وكان بجواره كنيستان: إحداهما لليعقوبية والأخرى للنّسطورية، فهدمتا أيضا وبنيتا مسجدين.
وكان في حارة الرّوم بالقاهرة آدر للرّوم وكنيستان لهم، فهدمتا وجعلتا مسجدين أيضا، وحوّل الرّوم إلى الموضع المعروف بالحمراء، وأسّس الرّوم ثلاث كنائس عوضا عمّا هدم لهم.
وهذا أيضا مصرّح بأنّ جامع راشدة أسّسه الحاكم، وفيه وهم لكونه جعل راشدة اسما للكنيسة، وإنّما راشدة اسم لقبيلة من العرب نزلوا عند الفتح هناك، فعرفت تلك البقاع بخطّة راشدة.
وقد جدّد جامع راشدة مرارا، وأدركته عامرا تقام فيه الجمعة ويمتلئ بالنّاس لكثرة من حوله من السّكّان، وإنّما تعطّل من إقامة الجمعة بعد حوادث سنة ستّ وثمان مائة (١).
(a)) وقال الشّريف محمد بن أسعد الجوّاني النّسّابة: راشدة بطن من لخم، وهم ولد راشدة ابن الحارث بن أد بن جذيلة، من لخم بن عديّ بن الحارث بن مرّة بن أدد - وقيل راشدة بن أدوب - ويقال لراشدة: خالفة، ولهم خطّة بمصر بالجبل المعروف بالرّصد المطلّ على بركة الحبش، وقد دثرت الخطّة ولم يبق في موضعها إلاّ الجامع الحاكمي المعروف بجامع راشدة (a).
(a-a) هذه الفقرة لا توجد في الأصول التي اعتمدتها، وتوجد فقط في طبعة بولاق (!) (١) المقريزي: السلوك ٥١٦: ٢ وفيه أنّ السّلطان النّاصر محمد بن قلاوون جدّد هذا الجامع سنة ٧٤١ هـ/ ١٣٤١ م، وانظر كذلك فيما يلي ٢٢٧ حيث يذكر المقريزي أنّ عمد الجامع استخدمت في بناء جامع المارديني (المارداني) خارج باب زويلة سنة ٧٣٨ هـ/ ١٣٣٨ م. وانظر أيضا عن الجامع Fu'ad Sayyid، A.، op.cit.، p. ٣٥٢.