للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيه نخل كثير من نخل المقل، ومن جملة ما رأيت فيه نخلة من المقل عددت لها سبعة رءوس مفرّعة منها؛ فذاك الجامع هو المعروف ب «جامع راشدة». وأمّا هذا الموجود الآن فمن عمارة الحاكم (١).

ولم يكن في بناء الجوامع أحسن من بنائه. وقيل عمّرته حظيّة الخليفة وكان اسمها راشدة، وليس بصحيح، والأوّل هو الصّحيح (٢). وفيه الآن نخل وسدر وبئر وساقية رجل، وهو مكان خلوة وانقطاع، ومحلّ عبادة وفراغ من تعلّقات الدّنيا.

قال كاتبه (a): هذا وهم من ابن المتوّج في موضعين:

أوّلهما: أنّ راشدة عمّرت هذا الجامع في زمن فتح مصر، وهذا قول لم يقله أحد من مؤرّخي مصر. فهذا الكنديّ ثم القضاعيّ - وعليهما يعوّل في معرفة خطط مصر - ومن قبلهما ابن عبد الحكم؛ لم يقل أحد منهم إنّ راشدة عمّرت زمن الفتح مسجدا، ولا يعرف من هذا السّلف في جند من أجناد الأمصار التي افتتحتها الصّحابة أنّهم أقاموا خطبتين في جند (b) واحد.

وقد حكينا ما تقدّم عن المسبّحي - وهو مشاهد ما نقله من بناء الجامع المذكور في موضع الكنيسة بأمر الحاكم بأمر اللّه وتغييره لبنائه غير مرّة، وتبعه القضاعي على ذلك. وقد عدّ القضاعيّ والكنديّ في كتابيهما/ المذكور فيهما خطط مصر، ما كان بمصر من مساجد الخطبة القديمة والمحدثة، وذكرا مساجد راشدة، ولم يذكرا فيها جامعا اختطّته راشدة، وذكرا هذا الدّير، وعيّن القضاعي اسمه، وأنّه (c) هدم وبني في مكانه جامع راشدة. وناهيك بهما معرفة لآثار مصر وخططها.

والوهم الثّاني: الاستدلال على الوهم الأوّل بمشاهدة بقايا مسجد قديم. ولا أدري كيف يستدلّ بذلك؟ فمن أنكر أن يكون قد كان هناك مسجد؟ بل المدّعى أنّه كان لراشدة مساجد، لكنّ كونها اختطّت جامعا هذا غير صحيح.


(a) بولاق: مؤلفه.
(b) بولاق: مسجد.
(c) وأنّه: ساقطة من بولاق.
(١) ابن دقماق: الانتصار ٧٨: ٤ (نفس النص نقلا عن ابن المتوّج).
(٢) ابن الزيات: الكواكب السيارة ١٨٣.