وتشتمل الخطبة على ألفاظ جزلة، ويذكر من سلف من آبائه حتى يصل إلى نفسه، فقال وأنا أسمعه:«اللّهم وأنا عبدك وابن عبدك، لا أملك لنفسي ضرّا ولا نفعا». ويتوسّل بدعوات فخمة تليق بمثله، ويدعو للوزير إن كان، وللجيوش بالنّصر والتأليف، وللعساكر بالظّفر، وعلى الكافرين والمخالفين بالهلاك والقهر، ثم يختم بقوله:«اذكروا اللّه يذكركم»، فيطلع إليه من زرّر عليه، ويفكّ ذلك التّزرير وينزل القهقرى. وسبب التّزرير عليهم قراءتهم من مسطور لا كعادة الخطباء.
فينزل الخليفة، ويصير على تلك الطّرّاحات الثلاث في المحراب وحده إماما، ويقف الوزير وقاضي القضاة صفّا، ومن ورائهما الأستاذون المحنّكون والأمراء المطوّقون. وأرباب الرّتب من أصحاب السّيوف والأقلام، والمؤذّنون وقوف وظهورهم إلى المقصورة لحفظه. فإذا سمع الوزير الخليفة أسمع القاضي، فأسمع القاضي المؤذّنين، وأسمع المؤذّنون النّاس. هذا والجامع مشحون بالعالم للصّلاة وراءه، فيقرأ ما هو مكتوب في السّتر الأيمن في الرّكعة الأولى، وفي الرّكعة الثانية ما هو مكتوب في السّتر الأيسر، وذلك على طريق التّذكار خيفة الإرتاج (a). فإذا فرغ خرج النّاس وركبوا أوّلا فأوّلا، وعاد طالبا القصر والوزير وراءه، وضربت البوقات والطّبول في العود.
فإذا أتت الجمعة الثّانية ركب إلى الجامع الأزهر من القشّاشين (١)، على المنوال الذي ذكرناه والقالب الذي وصفناه.
فإذا كانت الجمعة الثّالثة أعلم بركوبه إلى مصر للخطابة في جامعها، فيزيّن له من باب القصر أهل القاهرة إلى جامع ابن طولون، ويزيّن له أهل مصر من جامع ابن طولون إلى الجامع بمصر، يرتّب ذلك والي مصر: كلّ أهل معيشة في مكان. فيظهر المختار من الآلات والسّتور المثمّنات، ويهتمون بذلك ثلاثة أيّام بلياليهن، والوالي مارّ وعائد بينهم، وقد ندب من يحفظ النّاس ومتاعهم. فيركب يوم الجمعة المذكور شاقّا/ لذلك كلّه على الشّارع الأعظم إلى مسجد عبد اللّه (٢) الخراب اليوم، إلى دار الأنماط، إلى الجامع بمصر. فيدخل إليه من المعونة - ومنها باب متّصل بقاعة الخطيب - بالزيّ الذي تقدّم ذكره في خطبة الجامعين بالقاهرة وعلى ترتيبهما. فإذا
(a) بولاق: الارتجاج. (١) حاشية بخطّ المؤلّف: «القشّاشين يعرف اليوم بالخرّاطين». (٢) انظر عن مسجد عبد اللّه وموقعه فيما تقدم ١٢٥: ٢ هـ ٥.