أنّها من الجامع، وأنّ بها محرابا، فانتزعت وأخرج الخيل منها، وبني فيها ما هو الآن في الأيّام المعزّيّة على يد الرّكن الصّيرفي، ولم يسقّف (١).
ثم جدّد هذا الجامع في سنة ثلاث وسبع مائة، وذلك أنّه لمّا كان يوم الخميس ثالث عشرين ذي الحجّة سنة اثنتين وسبع مائة، تزلزلت أرض مصر والقاهرة وأعمالهما، ورجف كلّ ما عليهما واهتزّ، وسمع للحيطان قعقعة وللسّقوف قرقعة، ومارت الأرض بما عليها وخرجت عن مكانها.
وتخيّل النّاس أنّ السّماء قد انطبقت على الأرض، فهربوا من أماكنهم، وخرجوا عن مساكنهم، وبرزت النّساء حاسرات، وكثر الصّراخ والعويل، وانتشرت الخلائق، فلم يقدر أحد على السّكون والقرار، لكثرة ما سقط من الحيطان، وخرّ من السّقوف والمآذن وغير ذلك من الأبنية.
وفاض ماء النّيل فيضا غير المعتاد، وألقى ما كان عليه من المراكب التي بالسّاحل قدر رمية سهم، وانحسر عنها فصارت على الأرض بغير ماء.
واجتمع العالم في الصّحراء خارج القاهرة، وباتوا ظاهر باب البحر بحرمهم وأولادهم في الخيم، وخلت المدينة، وتشعّثت جميع البيوت حتى لم يسلم ولا بيت من سقوط أو تسقّط أو ميل. وقام النّاس في الجوامع يبتهلون، ويسألون اللّه سبحانه طول يوم الخميس وليلة الجمعة ويوم الجمعة (٢).
فكان ممّا تهدّم في هذه الزّلزلة الجامع الحاكمي، فإنّه سقط كثير من البدنات التي فيه، وخرب أعالي المئذنتين، وتشعّثت سقوفه وجدرانه. فانتدب لذلك الأمير ركن الدّين بيبرس الجاشنكير، ونزل إليه ومعه القضاة والأمراء فكشفه بنفسه، وأمر برمّ ما تهدّم منه وإعادة ما سقط من البدنات، فأعيدت وفي كلّ بدنة منها طاق، وأقام سقوف الجامع وبيّضه حتى عاد جديدا، وجعل له عدّة أوقاف بناحية الجيزة وفي الصّعيد وفي الإسكندرية، تغلّ كلّ سنة شيئا كثيرا (٣)، ورتّب فيه دروسا أربعة لإقراء الفقه على مذاهب الأئمّة الأربعة، ودرسا لإقراء الحديث النّبويّ، وجعل لكلّ درس مدرّسا وعدّة كثيرة من الطّلبة.
(١) المقريزي: مسوّدة الخطط ١٢٣ ظ؛ ابن عبد الظاهر: الروضة البهية ٦٩. (٢) نفسه ١٢٣ ظ؛ وانظر فيما تقدم ٢٥، ١٠٣. (٣) توجد وقفية المظفّر بيبرس الجاشنكير، وهي مؤرّخة في ٢٦ شوال سنة ٧٠٧ هـ، بدار الوثائق القومية بالقاهرة برقم ٤/ ٢٢، ٤/ ٢٣، ٤/ ٢٤. وتخلّف عن أعمال التّرميم التي قام بها بيبرس الجاشنكير لوح من الحجر الكلسي يحمل النّصّ التالي: «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم: ﴿إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اَللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَاَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ﴾. وكان الفراغ في شهر ذي الحجّة سنة ثلاث وسبع مائة». van Berchem، M.، CIA Egypte I، n ٠ ٣١; Wiet،) (G.، RCEA XIII، n ٠ ٥١٥٩.