للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من سائر الأصناف إلاّ بالقيمة التّامّة، وأن يكون ما ينفق على ذلك من ماله. وأشهد عليه بوكالته. فابتاع منية أندونة من أراضي الجيزة - وعرفت هذه القرية بأندونة كاتب بمصر كان نصرانيّا في زمن أحمد بن طولون، وممّن نكبه وأخذ منه خمسين ألف دينار (١) - واشترى أيضا ساحة بجوار جامع أحمد بن طولون - ممّا كان في القديم عامرا ثم خرب - وحكرها. وعمّر الجامع، وأزال كلّ ما كان فيه من تخريب، وبلّطه وبيّضه ورتّب فيه دروسا لإلقاء الفقه على المذاهب الأربعة التي عمل أهل مصر عليها الآن، ودرسا يلقى فيه تفسير القرآن الكريم، ودرسا لحديث النّبيّ ، ودرسا للطّبّ. وقرّر للخطيب معلوما، وجعل له إماما راتبا ومؤذّنين وفرّاشين وقومة، وعمل بجواره مكتبا لإقراء أيتام المسلمين كتاب اللّه ﷿، وغير ذلك من أنواع القربات ووجوه البرّ. فبلغت النّفقة على عمارة الجامع وثمن مستغلاّته عشرين ألف دينار (٢).

فلمّا شاء اللّه سبحانه أن يهلك لاجين، زيّن له سوء عمله عزل الأمير قراسنقر من نيابة السّلطنة، فعزله، وولّى مملوكه منكوتمر - وكان عسوفا عجولا حادّا، ولاجين مع ذلك يركن إليه، ويعوّل في جميع أموره عليه، ولا يخالف قوله ولا ينقض فعله - فشرع منكوتمر في تأخير


(١) انظر فيما تقدم ٥٦٥: ١.
(٢) عاصر عملية تجديد الجامع وإعادة تعميره التي قام بها السّلطان المنصور لاجين، الرّحّالة المغربي القاسم بن يوسف التّجيبي السّبتي، المتوفى سنة ٧٣٠ هـ/ ١٣٢٩ م، الذي زار مصر في سنة ٦٩٦ هـ/ ١٢٩٦ م أثناء عملية التجديد وأشار إليها في رحلته المسمّاة «مستفاد الرّحلة والاغتراب»، تحقيق عبد الحفيظ منصور، تونس - الدار العربية للكتاب ١٩٧٥، ٧؛ وانظر كذلك، النويري: نهاية الأرب ٣٢١: ٣١ - ٣٢٢؛ بيبرس الدوادار: زبدة الفكرة ٣١٥؛ المقريزي: السلوك ٨٢٧: ٢ - ٨٢٨؛ العيني: عقد الجمان ٢٧٩: ٣، ٣٥٩ - ٣٦٠؛ أبا المحاسن: النجوم الزاهرة ١٠٦: ٨ - ١٠٧.
وانظر وصفا لعمارة السّلطان حسام الدّين لاجين في الجامع الطّولوني في الوثيقة رقم ١٧، ١٨ محفظة ٣ مجموعة المحكمة الشّرعيّة بدار الوثائق القومية بالقاهرة، التي أورد مقتطفات منها عبد اللطيف إبراهيم: الوثائق في خدمة الآثار «العصر المملوكي»، ٢٧٨ - ٢٧٩. وراجع كذلك Creswell، K.A.C.، MAE II، pp. ٢٢٣ - ٢٩
وممّا تخلّف من هذه العمارة قطعة من الخشب طولها ١، ٤٠ مترا مكتوب عليها سطران بقلم نسخ مملوكي متوسط، نصّها:
«أمر بتجديد هذا الجامع مولانا السّلطان الملك المنصور حسام الدّنيا والدّين لاجين» van Berchem، M.، CIA.،) I n ٠ ٥٦٧ - ٦٨; id.، RCEA XIII، n ٠ ٥٠٢٥ - ٢٦؛ محمود عكوش: المرجع السابق ٨٦، ٩٢ - ٩٩). وأثبت تاريخ الانتهاء من هذه الأعمال على أربع حشوات كانت على المنبر الذي عمله المنصور لاجين، وهي موجودة الآن بمتحف فكتوريا وألبرت في لندن، ونصّه:
«أمر بعمل هذا المنبر المبارك مولانا السّلطان الملك المنصور حسام الدّنيا والدّين لاجين المنصوري، وذلك في العاشر من صفر من شهور سنة ستّ وتسعين وستّ مائة أحسن اللّه عاقبتها». (Wiet، G.، CIA Egypte II، n ٠ ٥٦٨; id.، RCEA XIII n ٠ ٥٠٢٠؛ محمود عكوش: تاريخ ووصف الجامع الطولوني ٩٥ - ٩٧).