وحكي أنّهم كانوا في الزّمن السّالف عبّاد أصنام ومدبّري هياكل/، إلى أن ظهر دين النّصرانيّة وغلب على أرض مصر، فتنصّروا وبقوا على ذلك إلى أن فتحها المسلمون، فأسلم بعضهم، وبقي بعضهم على دين النّصرانيّة (a).
وأمّا أخلاقهم فالغالب عليها اتّباع الشّهوات والانهماك في اللّذّات، والاشتغال بالتّرّهات، والتّصديق بالمحالات، وضعف المرائر والعزمات (١). ولهم خبرة بالكيد والمكر، وفيهم بالفطرة قوّة عليه وتلطّف فيه وهداية إليه، لما في أخلاقهم من الملق والبشاشة التي أربوا فيها على من تقدّم وتأخّر، وخصّوا بالإفراط فيها دون جميع الأمم، حتى صار أمرهم في ذلك مشهورا، والمثل بهم مضروبا.
وفي خبثهم ومكرهم يقول أبو نواس (٢):
[الطويل]
منحتكم (b) يا أهل مصر نصيحتي … ألا فخذوا من ناصح بنصيب
رماكم أمير المؤمنين بحيّة … أكول لحيّات البلاد شروب
فإن يك باق إفك فرعون فيكم … فإنّ عصا موسى بكفّ خصيب
قال مؤلّفه: وقد مرّ بي (c) قديما أنّ منطقة الجوزاء تسامت رؤوس أهل مصر، فلذلك يتحدثون بالأشياء قبل كونها، ويخبرون بما يكون، وينذرون بالأمور المستقبلة، ولهم في هذا الباب أخبار مشهورة.
قال ابن الطّوير (٣)، وقد ذكر استيلاء الفرنج على مدينة صور، فعاد الحفظ والحراسة على مدينة عسقلان، فما زالت محمية بالأبدال المجرّدة إليها من العساكر والأساطيل، والدولة تضعف أوّلا
(a) بعد ذلك في الرسالة المصرية: ومذهبهم مذهب اليعاقبة. (b) الأصل وبولاق: محضتكم والتصويب من الديوان. (c) بولاق: لي. (١) أمية بن عبد العزيز: الرسالة المصرية ٢٣ - ٢٤. (٢) نفسه ٣٠ - ٣١، والأبيات في ديوان أبي نواس، تحقيق أحمد عبد المجيد الغزالي، القاهرة ١٩٥٣، ٤٨٤ يمدح بها الخصيب أمير مصر. (٣) القاضي المرتضى أبو محمد عبد السلام بن الحسن بن عبد السلام بن عليّ بن أحمد الفهري القيسراني الأصل المصري المولد والدار والوفاة. ينتمي إلى نفس طبقة المؤلفين الإداريين الذين أو كلت إليهم وظائف الإشراف العليا على الدواوين الإدارية في مصر أيام الفاطميين والأيوبيين. وهو مؤلف كتاب «نزهة المقلتين في أخبار الدولتين» الذي نقل عنه المقريزي وتوفي سنة ٦١٧ هـ/ ١٢٢٠ م (انظر دراسة المصادر في مقدمة الكتاب).