عليه لم تتغيّر كلّ التّغيّر، وأن يجعل علاجه ملائما لما عليه الأبدان بأرض مصر، ويجتهد في أن يجعل ذلك إلى الجهة المضادّة أميل قليلا، ويتجنّب الأدوية القويّة الإسهال وكلّ ما له قوّة مفرطة. فإنّ نكاية هذه الأبدان سريعة، سيّما وأبدان المصريين سريعة الوقوع في النّكايات.
ويختار ما يكون من الأدوية المسهّلة وغيرها ألين قوّة، حتى لا يكون على طبيعة المصريين منها كلفة، ولا يلحق أبدانهم مضرّة، ولا يقدم على الأدوية الموجودة في كتب أطبّاء اليونانيين والفرس، فإنّ أكثرها عملت لأبدان قويّة البنية عظيمة الأخلاط، وهذه الأشياء قلّما توجد بمصر، فلذلك يجب على الطّبيب أن يتوقّف في إعطاء هذه الأدوية للمرضى، ويختار ألينها، وينقص من مقدار شرباتها، ويبدّل كثيرا منها بما يقوم مقامه ويكون ألين منه، فيتّخذ السّكنجبين السّكّري في مقام العسلي، والجلاّب بدلا من ماء العسل.
واعلم أنّ هواء مصر يعمل في المعجونات وسائر الأدوية ضعفا في قوّتها، فأعمار الأدوية المفردة والمركّبة المعجون منها وغير المعجون بمصر أقصر من أعمارها في غير مصر، فيحتاج الطّبيب بمصر إلى تقدير ذلك وتمييزه حتى لا يشتبه عليه شيء ممّا يحتاج إليه. وإذا لم يكتف في تنقية البدن بالدّواء المسهّل دفعة واحدة، فلا بأس بإعادته بعد أيّام، فإنّ ذلك أحمد من إيراد الدّواء الشّديد القوّة في دفعة واحدة (١).
قال: ولكون أرض مصر تولّد في الأجسام سخافة وسرعة قبول للمرض، وجب أن تكون الأبدان على الهيئة الفاضلة بأرض مصر قليلة جدّا، فأمّا الأبدان الباقية فكثيرة، وأن تكون الصّحّة التامّة عندهم على الأمر الأكثر في القريبة من الهيئة الفاضلة.
والطّريق الأولى التي تدبّر بها الأبدان في الهيئة الفاضلة يحتاج فيها بأرض مصر إلى أن يدبّر الهواء والغذاء والماء وسائر الأشياء تدبيرا يصير به في غاية الاعتدال، ولأنّ الهضم كثيرا ما يسوء بأرض مصر وكذلك الرّوح الحيواني، فيجب صرف العناية إلى مراعاة أمر القلب والدّماغ والكبد والمعدة والعروق والأوراد (a) وسائر الأعضاء الباطنة، في تجويد الهضم وإصلاح أمر الرّوح الحيواني وتنظيف الأوساخ اللاحجة (٢).
(a) ساقطة من بولاق. (١) ابن رضوان: دفع مضار الأبدان ١٩٩ - ٢٠٠. (٢) نفسه ٢٠٣ - ٢٠٤.