للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أخرى إلى المنشآت الدّينية الكبرى، بينما ترك الكثير من الآثار المدنية المهمّة (قصر قوصون - يشبك خلف جامع السّلطان حسن، بوّابة قصر منجك بسوق السّلاح) تستخدم كمقالب للقمامة.

***

وعلى ذلك فإنّ ترميم الآثار لا يجب أن يكون غاية في ذاته، ولكنّه يجب أن يندرج تحت باب المحافظة على المدينة القديمة وحمايتها وعدم التّعدّي عليها. فترميم الأثر لا يعني تجديده أو تحويل ما حوله وفتح طرق تقود إليه أو تدمير المنازل القديمة المجاورة له. ففي إطار التّطوير العمراني لا يوجد أشقّ من حماية حيّ قديم أو مدينة قديمة؛ فالاختلاف والتّنوّع الكبير للعمائر القائمة، والتي تمتدّ - في حالة القاهرة القديمة - على أكثر من ألف عام منذ بناء جامع ابن طولون أقدم آثارها القائمة، والتي تتفاوت كذلك في أهميتها وقيمتها، يتطلّب سياسة للمحافظة في غاية المرونة والصّرامة في آن واحد. فزائر القاهرة القديمة الذي يخترق العديد من الأزقّة ليكشف في النّهاية أثرا قديما يكون معدّا للإعجاب بجماليّاته الفنّيّة وهو محاط بمنازل قديمة بحيث تصبح نسب المداخل والمآذن مبرّرة وتأخذ العلاقات بينها معناها الحقيقي. وفي هذه الحالة كم هي كثيرة وموزّعة: الجوامع والمدارس والأسبلة في القاهرة القديمة. إنّ فتح طريق جديد في القاهرة القديمة أو بناء دور على الطّرز الحديثة من شأنه أن يدمّر نهائيّا كلّ هذا الانسجام والتّناغم في العلاقات، الأمر الذي يجب أن يحظر فيه نهائيّا أيّة محاولة للمساس بخطوط التّنظيم الأصلية للمدينة القديمة. إنّ هذه الهيئة لمدينة القاهرة التاريخية هي ما يودّ الزّائرون والعلماء والباحثون المحافظة عليه.

إنّ عمليّة ترميم الآثار لا يجب أن تبحث عن البعد الجمالي الذي من شأنه تغيير الأثر تماما وجعله يبدو كمبنى حديث، وإنّما ما يجب هو عدم التّعرّض للمكوّنات الأساسية للأثر، والمحافظة عليه دون أي إضافة من موادّ حديثة قد تغيّر هيئته الموروثة.

خلاصة القول: إنّ الأثر التّاريخي الأوّل للقاهرة هو - بلا جدال - المدينة القديمة نفسها التي تمتدّ على هيئة مستطيل يرتكز ضلعه الغربي على المدينة الحديثة (الأزبكية وباب اللّوق وعابدين)، ويطلّ ضلعه الشّرقي على قرافة المماليك وسفح المقطّم، ويحدّه شمالا أحياء الحسينية والعبّاسية، وجنوبا حيّ السّيّدة زينب. وعلى ذلك فإنّ هذا الاعتبار الأساسي، وهو الحفاظ على هيئة المدينة الموروثة، لا يجب أن يغيب أبدا عن نظر الذين يعهد إليهم المحافظة على المدينة القديمة، ولا أقول تطوير المدينة