المقرّ المرحوم الشّرقي أنس - تغمّده اللّه برحمته - والد المقرّ الأشرفي العالي السّيفي برقوق أتابك العساكر عزّ نصره» (فيما يلي ٧٨٨ هـ ٢)، ولهذا السّبب عرفت تربة يونس خطأ باسم أنس (أنص) العثماني، وعندما أتمّ الظّاهر برقوق بناء مدرسته ببين القصرين نقل رفاة والده إلى قبّتها.
وبسبب دفن الأمير أنس في تربة يونس في أوّل الأمر، وقع اختيار الظّاهر برقوق على قطعة أرض كبيرة مجاورة لها وأحاط عليها حائطا وقبر فيها من مات من مماليك السّلطان وكذلك بعض كبار مشايخ الصّوفيّة. لذلك عند ما مرض الظّاهر برقوق أوصى أن يدفن تحت أرجل هؤلاء الفقراء وأن يبنى على قبره تربة، يقول المقريزي:«فدفن حيث أوصى وأخذت قطعة مساحتها عشرة آلاف ذراع وجعلت خانقاه، وجعل فيها قبّة على قبر السّلطان وقبور الفقراء المذكورين، وتجدّد من حينئذ هناك عدّة ترب جليلة حتى صار الميدان شوارع وأزقّة»(فيما يلي ٩٢٠ - ٩٢١).
وتوالى بعد ذلك بناء التّرب والخوانك في هذا الموضع حيث شيّد النّاصر فرج خانكاته الضّخمة وملحقاتها هناك (٨٠٣ - ٨١٣ هـ/ ١٤٠٠ - ١٤١٠ م)، وبنيت قبّة الأمير جاني بك الأشرفي (٨٣١ هـ/ ١٤٢٧ م) وقبّة الأشرف برسباي (٨٣٥ هـ/ ١٤٣٢ م)، ومدرسة وخانكاه وتربة الملك الأشرف إينال (٨٥٥ هـ/ ١٤٥١ م)، وقبّة الأمير برسباي البجاسي (٨٦١ هـ/ ١٤٥٦ م)، ثم مسجد السّلطان قايتباي والقبّة التي أنشأها على قبور أولاده سنة ٨٧٩ هـ/ ١٤٧٤ م، ثم قبّة السّلطان قانصوه أبو سعيد (٩٠٤ هـ/ ١٤٩٨ م) ثم قبّة الأمير عصفور (٩١٢ هـ/ ١٥٠٦ م) وهي القبّة الوحيدة التي ألحق بها سبيل بين آثار مصر (١).
وذكر المقريزي في «مسوّدة الخطط» أنّ شيخه ابن خلدون تنبّأ بازدهار هذا المكان واتّساعه، يقول:«قال لي شيخنا أستاذ الزّمان قاضي القضاة أبو زيد عبد الرّحمن بن خلدون غير مرّة: لا بدّ أن يصير هذا المكان مدينة. وكان ﵀ في هذا الباب عجبا يقول أمورا جرّبناها عليه فلم تخطئ، فكنت أرى أنّه محدّث»(فيما يلي ٩٢١).
وبلغ من ازدحام هذه المنطقة بالقباب والتّرب في آخر عصر دولة المماليك الشّراكسة أن انتقد ابن إياس السّلطان الظّاهر أبا سعيد قانصوه على إنشائه تربته بآخر الصّحراء لأنّه «حصل للنّاس منه
(١) حسن عبد الوهاب: خانقاه فرج بن برقوق وما حولها ٣٠٣ - ٣٠٥.