كثيرة عليها أوقاف للقرّاء ومدرسة كبيرة للشّافعية، ولا تكاد تخلو من طرب ولا سيّما في اللّيالي المقمرة، وهي معظم مجتمعات أهل مصر وأشهر متنزّهاتهم» (١). أمّا ابن بطّوطة - الذي زار مصر في عهد النّاصر محمد بن قلاوون - فوصف قرافة مصر ومزاراتها بقوله:«ولمصر القرافة العظيمة الشّأن، وهم يبنون بها القباب الحسنة ويجعلون عليها الحيطان فتكون كالدّور، ويبنون بها البيوت، ويرتّبون القرّاء يقرءون ليلا ونهارا بالأصوات الحسان. ومنهم من يبني الزّاوية والمدرسة إلى جانب التّربة، ويخرجون في كلّ ليلة جمعة إلى المبيت بها بأولادهم ونسائهم، ويطوفون على المزارات الشّهيرة، ويخرجون أيضا للمبيت بها ليلة النّصف من شعبان، ويخرج أهل الأسواق بصنوف المآكل»(٢).
ومع الفتح الفاطمي لمصر وتأسيس مدينة القاهرة نشأت جبّانات جديدة لخدمة المدينة النّاشئة، كانت أوّلا جنوب شرق القاهرة وتمتدّ خارج باب زويلة في المنطقة التي يشغلها الآن جامع الصّالح طلائع وشارع الدّرب الأحمر وشارع التّبّانة وشارع باب الوزير والشّوارع المتفرّعة منها، (فيما تقدم ٢٢١: ٢، ٣٥٣: ٣، ٣٦٧، ٤٥٢، وفيما يلي ٢٢٧، ٢٣٩، ٨٤٥) وكثر استخدام هذه الجبّانة على الأخصّ في زمن الشّدّة المستنصريّة منتصف القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي (فيما يلي ٨٤٥).
وبعد وفاة أمير الجيوش بدر الجمالي سنة ٤٨٧ هـ/ ١٠٨٥ م أنشئت جبّانة أخرى خارج باب النّصر شمال القاهرة كان هو أوّل من دفن فيها، تشغل مكانها الآن قرافة باب النّصر الواقعة بين حيّ الحسينية وشارع المنصورية (فيما يلي ٩١٦).
أمّا «قرافة المماليك»، الواقعة في الصّحراء شرق طريق صلاح سالم الحالي في المنطقة المعروفة الآن ب «ترب الغفير» حول مقابر الشّهداء، فكانت في الأصل براحا واسعا يعرف بميدان القبق وميدان العيد والميدان الأسود، يمتدّ بين قلعة الجبل وقبّة النّصر (فيما يلي ٧٩٠، ٩٢٠) حيث كان فرسان المماليك يؤدّون فيه تدريباتهم منذ أنشأه السّلطان الظّاهر بيبرس سنة ٦٦٧ هـ/ ١٣٦٥ م (فيما تقدم ٣٦٩: ٣ - ٣٧٦)، وترك السّلطان النّاصر محمد بن قلاوون النّزول إلى هذا الميدان وهجره ابتداء من عام ٧٢٠ هـ/ ١٣٢٠ م، يقول المقريزي: «وأوّل من ابتدأ فيه بالعمارة الأمير شمس الدّين
(١) ابن جبير: الرحلة ٢٠٠؛ ابن سعيد: المغرب (قسم مصر) ١٠ - ١١. (٢) ابن بطوطة: رحلة ابن بطوطة ٢٠٥: ١.