«ثمّ لمّا انحلّ نظام الدّولة الإسلامية وتناقصت، تناقص ذلك أجمع ودرست معالم بغداد بدروس الخلافة، فانتقل شأنها من الخطّ والكتابة بل والعلم إلى مصر والقاهرة، فلم تزل أسواقه نافقة لهذا العهد، وله بها معلّمون يرسمون للمتعلّم الحروف بقوانين في وضعها وأشكالها متعارفة بينهم، فلا يلبس المتعلّم أن يحكم أشكال تلك الحروف على تلك الأوضاع»(١).
وتشهد الأعمال التي أنتجها العصر المملوكي ووصلت إلينا على مدى ما بلغه فنّ الخطّ من تجويد في هذا العصر. فقد وقف أغلب سلاطين المماليك وكبار أمرائهم، على الجوامع والمدارس والخوانك والتّرب التي أنشأوها، مصاحف ضخمة كتبها كبار الخطّاطين في هذه الفترة أمثال:
ابن الوحيد وابن الصّائغ وعلي بن محمد الأشرفي وموسى بن إسماعيل الحجيني، كتبت بخطّ الطّومار وخطّ الثّلث والخطّ الرّيحان والخطّ المحقّق، وتتميّز جميع هذه المصاحف بالتّذهيب الكامل والزّخرفة الكاملة لفاتحة المصحف وخاتمته، وكذلك كثرة نماذج الأرابيسك الموجودة في أوّل المصحف قبل الفاتحة Frontispice.
ويوجد القسم الأكبر من هذه المصاحف الآن في دار الكتب المصرية بالقاهرة، نقل إليها من هذه المساجد والمدارس، ولكن قسما آخر منها عرف طريقه، في تاريخ سابق، إلى بعض المجموعات العالمية وعلى الأخصّ في مكتبة شستربتي بدبلن Chestter Beaty ومجموعة Kheir بلندن ومتحف طوبقبو سراي ومتحف الأوقاف بإستانبول والمكتبة الوطنية في باريس والمكتبة البريطانية في لندن (٢).
ويهمّني هنا الإشارة إلى واحد من أهمّ وأوائل المصاحف المملوكية التي وصلت إلينا، كان موقوفا على أحد أهمّ خوانك القاهرة التي ذكرها المقريزي، هي «الخانكاه الرّكنية بيبرس» بالجمالية؛ فقد وصل إلينا المصحف الذي وقفه بيبرس الجاشنكير على هذه الخانكاه، وهو محفوظ الآن بالمكتبة البريطانية بلندن ويقع في سبعة أجزاء وقياسه ٤٨ * ٣٢ سم، وهو المصحف
(١) ابن خلدون: المقدمة ٩٦٨. (٢) راجع لتفاصيل أكثر James، D.، Qur'ans of the Mamluks، London-Alexandria Press ١٩٨٨؛ أيمن فؤاد: الكتاب العربي المخطوط ٣١٣ - ٣٢٤؛ يمنى محمد مرتضى: زخرفة المصحف الشّريف في عصر المماليك، رسالة ماجستير بآثار القاهرة ١٩٩٨.