شيء إلى شيء، والدّعة والجبن والقنوط والشّحّ وقلّة الصّبر، والرّغبة في العلم، وسرعة الخوف، والحسد والنّميمة والكذب والسّعي إلى السّلطان وذمّ الناس.
وبالجملة فيغلب عليهم الشّرور الدّنيئة التي تكون من دناءة النّفس (a)، وليس هذه الشّرور عامّة فيهم، ولكنّها موجودة في أكثرهم، ومنهم من خصّه اللّه بالفضل وحسن الخلق، وبرّأه من الشّرور.
ومن أجل توليد أرض مصر الجبن والشّرور الدّنيئة في النّفس لم يسكنها الأسد، وإذا دخلت ذلّت ولم تتناسل، وكلابها أقلّ جراءة (b) من كلاب غيرها من البلدان، وكذلك سائر ما فيها أضعف من نظيره في البلدان الأخر، ما خلا ما كان منها في طبعه ملائما لهذه الحال كالحمار والأرنب (١).
قال: إنّ جالينوس يرى أنّ فصل الرّبيع طبيعته الاعتدال، ويناقض [في كتابه في المزاج] (c) من ظنّ أنّه حارّ رطب. ومن شأن هذا الفضل أن تصحّ فيه الأبدان ويجود هضمها، وتنتشر الحرارة الغريزية فيه، ويصفو الرّوح الحيواني، لاعتدال الهواء وصفائه، ومساواة ليله لنهاره، وغلبة الدّم.
والهواء المعتدل هو الذي لا يحسّ فيه ببرد ظاهر ولا حرّ ولا رطوبة ولا يبس، ويكون في نفسه نقيّا صافيا، فيقوى فيه الرّوح الحيواني لهذا السّبب، وتصحّ الأبدان ويكثر نشاط الحيوان، وتنمو الأشياء وتزيد وتتولّد (d).
وإذا طلبنا بأرض مصر مثل هذا الهواء لم نجده في وقت من السّنة، إلاّ في أمشير وبرمهات وبرمودة وبشنس، عندما تكون الشّمس في النصف الأخير من الدّلو والحوت والحمل والثّور، فإنّا نجد بمصر في هذا الزّمان أيّاما معتدلة نقيّة صافية، لا يحسّ فيها بحرّ ظاهر ولا برد ولا رطوبة ولا يبوسة، وتكون الشّمس فيها نقيّة من الغيوم، والهواء ساكنا لا يتحرّك، إلاّ أن يكون ذلك في برمودة وبشنس، فإنّه يحتاج إلى أن تهبّ ريح الشّمال ليعتدل ببردها حرّ الشّمس.
وفي هذا الزّمان تكثر حركة الحيوان وسفاده، وتحسن أصواته، وتورق الأشجار، ويعقد الزّهر، وتقوى القوّة المولّدة، ويغلب كيموس الدم (٣). وفي هذا الفصل في أرض مصر يتقدّم زمانه
(a) بولاق: الأنفس. (b) ابن رضوان: أقل حدّة. (c) إضافة من ابن رضوان. (d) بولاق: تتوالد. (١) ابن رضوان: دفع مضار الأبدان ١٢٦ - ١٣١. (٢) نفسه ١٣٥. (٣) لفظ سرياني معرب بمعنى الخلاصة الغذائية.