والحدّ الثالث هو أنّ أوّل بعد هذه الأرض عن خطّ الاستواء/ في جهة الجنوب أسوان، وبعدها عن خطّ الاستواء اثنان وعشرون درجة ونصف. فالشّمس تسامت رؤوس أهلها مرّتين في السنة:
عند كونها في آخر الجوزاء، وفي أوّل السّرطان، وفي هذين الوقتين لا يكون للقائم بأسوان نصف النهار ظلّ أصلا، فالحرارة واليبس والاحتراق غالب على مزاجها لأنّ الشّمس تنشّف رطوباتها، ولذلك صارت ألوانهم سوداء وشعورهم جعدة لاحتراق أرضهم.
والحدّ الرابع هو أنّ آخر بعد أرض مصر عن خط الاستواء في جهة الشّمال طرف بحر الرّوم، وعليه من أرض مصر بلدان كثيرة كالإسكندرية ورشيد ودمياط وتنّيس والفرما. وبعد دمياط عن خطّ الاستواء في الشّمال أحد وثلاثون جزءا (a) وثلث، وهذا البعد هو آخر الإقليم الثالث وأوّل الإقليم الرّابع، فالشّمس لا تبعد عنهم كلّ البعد ولا تقرب منهم كلّ القرب، فالغالب عليهم الاعتدال مع ميل يسير إلى الحرارة، فإنّ الموضع المعتدل على الصّحّة من البلدان العامرة، هو وسط (b) الإقليم الرّابع. وأيضا فمجاورة دمياط للبحر وإحاطته بها، تجعلها معتدلة بين الحرّ والبرد، خارجة عن الاعتدال إلى الرّطوبة، فيكون الغالب عليها المزاج الرّطب الذي ليس بحار ولا بارد، ولذلك صارت ألوانهم سمرا وأخلاقهم سهلة (c)، وشعورهم سبطة.
وإذا كان أوّل مصر من جهة الجنوب الغالب عليه الاحتراق، وآخرها من جهة الشّمال الغالب عليها الاعتدال مع ميل يسير نحو الحرارة، فما بين هذين الموضعين من أرض مصر الغالب عليه الحرارة، وتكون قوّة حرارته بقدر بعده عن أسوان وقربه من بحر الرّوم. ومن أجل هذا قال أبقراط وجالينوس:«إن المزاج الغالب على أرض مصر الحرارة»(١).
قال: وجبل لوقا (d) في مشرق هذه الأرض (٢) يعوّق عنها ريح الصّبا، فإنّه لم ير أحد (e) يفسطاط مصر صبا خالصة، لكن متى هبّت الصّبا عندهم، هبّت نكبا بين الشّرق والشّمال أو المشرق والجنوب. وهذه الرّياح يابسة مانعة من العفن، فقد عدمت أرض (f) مصر هذه الفضيلة، ومن أجل ذلك صارت المواضع التي تهبّ فيها ريح الصّبا من أرض مصر أحسن حالا من غيرها، كالإسكندرية وتنّيس [ودمياط] (g).
(a) عند ابن رضوان: درجة. (b) بولاق: وهو أول وسط. (c) عند ابن رضوان: وأحداقهم شملة. (d) في إحدى نسخ دفع مضار الأبدان: وجبل المقطم. وانظر فيما يلي ١٢٣: ١. (e) بولاق: يوجد. (f) بولاق: أهل. (g) زيادة من ابن رضوان. (١) ابن رضوان: دفع مضار الأبدان ١٠٧ - ١١٠. (٢) انظر فيما يلي ٣٣٤.