للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقام من بعده ابنه «السّلطان الملك النّاصر زين الدّين أبو السّعادات فرج» في يوم الجمعة المذكور، وعمره نحوه العشر سنين، فدبّر أمر الدّولة الأمير الكبير أيتمش، ثم ثار به الأمير يشبك وغيره، ففرّ إلى الشّام، وقتل بها.

ولم تزل أيّام النّاصر كلّها كثيرة الفتن والشّرور والغلاء والوباء، وطرق بلاد الشّام فيها الأمير تيمور لنك فخرّبها كلّها وحرّقها، وعمّها بالقتل والنّهب والسّبي (a) والأسر، حتى فقد منها جميع أنواع الحيوانات، وتمزّق أهلها في جميع أقطار الأرض. ثم دهمها بعد رحيله عنها جراد لم يترك بها خضراء، فاشتدّ بها الغلاء على من تراجع إليها من أهلها، وشنع موتهم.

واستمرّت بها مع ذلك الفتن، وقصر مدّ النّيل بمصر حتى شرقت الأراضي إلاّ قليلا، وعظم الغلاء والفناء. فباع أهل الصّعيد أولادهم من الجوع، وصاروا أرقّاء مملوكين وشمل الخراب الشّنيع عامّة أرض مصر وبلاد الشّام، من حيث يصبّ النّيل من الجنادل، إلى حيث مجرى الفرات.

وابتلي مع ذلك بكثرة فتن الأميرين نوروز الحافظي وشيخ المحمودي، وخروجهما ببلاد/ الشّام عن طاعته، فتردّد لمحاربتهما مرارا حتى هزماه، ثم قتلاه بدمشق في ليلة السبت سادس عشر صفر سنة خمس عشرة وثمان مائة. فكانت مدّته - منذ مات أبوه إلى أن فرّ في يوم الأحد خامس عشرين ربيع الأوّل سنة ثمان وثمان مائة واختفى، وأقيم بعده أخوه عبد العزيز، ولقّب «الملك المنصور» - ست سنين وخمسة أشهر وأحد عشر يوما.

وأقام النّاصر في الاختفاء سبعين يوما، ثم ظهر في يوم السبت خامس عشر جمادى الآخرة، واستولى على قلعة الجبل، واستبدّ بملكه أقبح استبداد إلى أن توجّه لحرب نوروز وشيخ، وقاتلهما على اللّجّون في يوم الاثنين ثالث عشر المحرّم سنة خمس عشرة، فانهزم إلى دمشق وهما في أثره - وقد صار الخليفة المستعين باللّه في قبضتهما ومعه مباشرو الدّولة - فنزلا (b) على دمشق وحصراه، ثم ألزما الخليفة بخلعه من السّلطنة، فلم يجد بدّا من ذلك، وخلعه في يوم السبت خامس عشرينه، ونودي بذلك في النّاس، فكانت مدّته الثانية ستّ سنين وعشرة أشهر سواء (١).


(a) ساقطة من بولاق.
(b) بولاق: فنزل.
(١) راجع أخبار النّاصر فرج الذي عدّه المقريزي «أشأم ملوك الإسلام» (السلوك ٢٢٥: ٤) عند، المقريزي: السلوك ٩٥٩: ٣ - ١١٧٨، ٨: ٤ - ٢١٤، درر العقود الفريدة ٢: -؛ ابن حجر: إنباء الغمر ٥٣٠: ٢ - ٥٣١؛ أبي المحاسن: -