للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نزوها، واسم الحصان والحجرة. فتوالدت عنده خيول كثيرة اغتنى بها عن الجلب، ومع ذلك فلم تكن عنده في منزلة ما يجلب منها. وبهذا ضخمت سعادة آل مهنّا. وكثرت أموالهم وضياعهم، فعزّ جانبهم، وكثر عددهم، وهابهم من سواهم من العرب.

وبلغت عدّة خيول الجشّارات في أيّامه نحو ثلاثة آلاف فرس، وكان يعرضها في كلّ سنة ويروّغ أولادها بين يديه، ويسلّمها للعربان الرّكّابة، وينعم على الأمراء الخاصّكية بأكثرها، ويتبجّح بها، ويقول: هذه فلانة بنت فلان، وهذا فلان ابن فلانة، وعمره كذا، وشراء أم هذا كذا وكذا.

كان لا يزال يؤكّد على الأمراء في تضمير الخيول، ويلزم كلّ أمير أن يضمر أربعة أفراس، ويتقدّم لأمير آخور أن يضمر للسّلطان عدّة منها، ويوصّيه بكتمان خبرها، ثم يشيع أنّها لأيدغمش أميرآخور، ويرسلها مع الخيل في حلبة السّباق خشية أن يسبقها فرس أحد من الأمراء فلا يحتمل ذلك، فإنّه ممّن لا يطيق شيئا ينقص ملكه. وكان السّباق في كلّ سنة بميدان القبق ينزل بنفسه (١)، وتحضر الأمراء بخيولها المضمّرة، فيجريها وهو على فرسه حتى تنقضي نوبها.

وكانت عدّتها مائة وخمسين فرسا فما فوقها.

فاتّفق أنّه كان عند الأمير قطلوبغا الفخري حصان أدهم سبق خيل مصر كلّها في ثلاث سنين متوالية أيام السّباق، وبعث إليه الأمير مهنّا فرسا شهباء على أنّها إن سبقت خيل مصر فهي للسّلطان، وإن سبقها فرس ردّت إليه، ولا يركبها عند السّباق إلاّ بدوي قادها.

فركب السّلطان للسّباق في أمرائه على عادته، ووقف معه سليمان وموسى ابنا مهنّا، وأرسلت الخيول من بركة الحجّاج (a) على عادتها، وفيها فرس مهنّا، وقد ركبها البدوي عريا بغير سرج.

فأقبلت سائر الخيول تتبعها حتى وصلت المدى، وهي عري بغير سرج، والبدوي عليها بقميص وطاقية. فلمّا وقفت بين يدي السّلطان، صاح البدوي: السّعادة لك اليوم يا مهنّا لا شقيت.

فشقّ على السّلطان أنّ خيله سبقت، وأبطل التّضمير من خيله، وصارت الأمراء تضمر على عادتها.


(a) بولاق: بركة الحاج.
(١) انظر فيما تقدم ٣٦٩.