للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمير آخور، واعتنى/ بالأوجاقيّة والعرب الركّابة. وكان أبوه المنصور قلاوون يرغب في خيل برقة أكثر من خيل العرب، ولا يعرف عنه أنّه اشترى فرسا بأكثر من خمسة آلاف درهم، وكان يقول: خيل برقة نافعة، وخيل العرب زينة، بخلاف النّاصر محمد فإنه شغف باستدعاء الخيول من عرب آل مهنّا وآل فضل وغيرهم، وبسببها كان يبالغ في إكرام العرب، ويرغّبهم في أثمان خيولهم حتّى خرج عن الحدّ في ذلك.

فكثرت رغبة آل مهنّا وغيرهم في طلب خيول من عداهم من العربان، وتتبّعوا عتاق الخيل من مظانّها، وسمحوا بدفع الأثمان الزّائدة على قيمتها، حتى أتتهم طوائف العرب بكرائم خيولهم.

فتمكّنت آل مهنّا من السّلطان، وبلغوا في أيّامه الرّتب العليّة. وكان لا يحب خيول برقة، وإذا أخذ منها شيئا أعدّه للتفرقة على الأمراء البرّانيّين، ولا يسمح بخيول آل مهنّا إلا لأعزّ الأمراء وأقرب الخاصّكية منه.

وكان جيّد المعرفة بالخيل شياتها وأنسابها، لا يزال يذكر أسماء من أحضرها إليه ومبلغ ثمنها.

فلمّا اشتهر عنه ذلك، جلب إليه أهل البحرين والحساء والقطيف وأهل الحجاز والعراق كرائم خيولهم، فدفع لهم في الفرس من عشرة آلاف درهم إلى عشرين إلى ثلاثين ألف درهم: عنها ألف وخمس مائة مثقال من الذّهب سوى ما ينعم به على مالكه من الثّياب الفاخرة له ولنسائه، ومن السّكّر ونحوه، فلم تبق طائفة من العرب حتى قادت إليه عتاق خيلها.

وبلغ من رغبة السّلطان فيها أنّه صرف في أثمانها دفعة واحدة، من جهة كريم الدّين ناظر الخاصّ، ألف ألف درهم في يوم واحد، وتكرّر هذا منه غير مرّة، وبلغ ثمن الفرس الواحد من خيول آل مهنّا الستين ألف درهم والسبعين ألف درهم، واشترى كثيرا من الحجورة بالثمانين ألفا والتسعين ألفا، واشترى بنت الكرماء (a) بمائة ألف درهم: عنها خمسة آلاف مثقال من الذّهب، هذا سوى الإنعامات بالضّياع من بلاد الشّام.

وكان من عنايته بالخيل لا يزال يتفقّدها بنفسه. فإذا أصيب منها فرس أو كبر سنّه، بعث به إلى الجشّار (١). وتنزى الفحول المعروفة عنده على الحجورة بين يديه، وكتّاب الإسطبل تؤرّخ تاريخ


(a) بولاق: الكرشاء.
(١) الجشّار. صاحب مرج الخيل. والجشر أن تنزو خيلك فترعاها أمام بيتك. (الفيروزأبادي: القاموس المحيط ٤٦٦).