صار الوزير قصارى نظره التّحدّث في أمر المكوس، فيستخرجها من جهاتها، ويصرفها في ثمن اللّحم وحوائج المطبخ وغير ذلك.
ولقد كان الوزير الصّاحب سعد الدّين نصر اللّه بن البقري يقول: الوزارة اليوم عبارة عن حوائج كاش عفش يشتري اللحم والحطب وحوائج الطّعام، وناظر الخاصّ غلام صلف يشتري الحرير والسّنجاب والصّوف والنّصافي، وأمّا ما كان للوزراء ونظّار الخاصّ في القديم فقد بطل.
ولقد صدق فيما قال، فإنّ الأمر على هذا.
وما رأينا الوزارة من بعد انحطاط رتبتها يرتفع قدر متولّيها إلاّ إذا أضيفت إلى الأستادّارية، كما وقع للأمير جمال الدّين يوسف الأستادّار والأمير فخر الدّين عبد الغني بن أبي الفرج (١). وأمّا من ولي الوزارة بمفردها - سيّما من أرباب الأقلام - فإنّما هو كاتب كبير يتردّد ليلا ونهارا إلى باب الأستادّار، ويتصرّف بأمره ونهيه.
وحقيقة الوزارة اليوم/ أنّها انقسمت بين أربعة، وهم: كاتب السّرّ، والأستادّار، وناظر الخاصّ، والوزير. فأخذ كاتب السّرّ من الوزارة التّوقيع على القصص بالولايات، والعزل ونحو ذلك في دار العدل وفي داره. وأخذ الأستادّار التّصرّف في نواحي أرض مصر، والتّحدّث في الدّواوين السّلطانية، وفي كشّاف (a) الأقاليم وولاة النّواحي، وفي كثير من أمور أرباب الوظائف. وأخذ ناظر الخاصّ جانبا كبيرا من الأموال السّلطانية ليصرفها في تعلّقات الخزانة السّلطانية.
وبقي للوزير شيء يسير جدّا من النّواحي، والتّحدّث في المكوس وبعض الدّواوين، ومصارف المطبخ السّلطاني والسّواقي، وأشياء أخر. وإليه مرجع ناظر الدّولة، وشادّ الدّواوين، وناظر بيت المال، وناظر الأهراء، ومستوفي الدّولة، وناظر الجهات. وأمّا ناظر البيوت وناظر الإسطبلات فإنّ أمرهما يرجع إلى غيره.
(a) بولاق: كشف. (١) هو صاحب جامع الفخري المعروف الآن بجامع البنات الواقع بشارع بورسعيد شمال محكمة باب الخلق (فيما يلي ٣٢٨: ٢).