للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في الأرض، ولم تقطع على ذلك الطّوفان ما هو: أنار تأتي على الأرض فتحرق ما عليها، أو ماء يغرقها، أو سيف يبيد أهلها.

فخافت [على] (a) دثور العلوم وفنائها بفناء أهلها، فاتّخذت هذه البرابي، ورسمت فيها علومها من الصّور والتّماثيل والكتابة، وجعلت بنيانها نوعين: طينا، وحجارة، وفرزت ما بني بالطّين ممّا بني بالحجارة، وقالت: إن كان هذا الطّوفان نارا استحجر ما بني بالطّين، وإن كان الطّوفان الوارد ماء أذهب ما بنينا بالطّين ويبقى ما بني بالحجارة، وإن كان الطّوفان سيفا بقي كلّ من النّوعين، ممّا هو من الطّين، وما هو من الحجر.

وهذا ما قيل واللّه أعلم إنّه كان قبل الطّوفان، وإنّ الطّوفان الذي كانوا يرقبونه، ولم يعيّنوه أنار هو أم ماء أم سيف، كان سيفا أتى على جميع أهل مصر من أمّة غشيتها، وملك نزل عليها فأباد أهلها.

ومنهم من رأى أنّ ذلك الطّوفان كان وباء عمّ أهلها. ومصداق ذلك ما يوجد ببلاد تنّيس من التّلال المنضّدة (b) من الناس، من صغير وكبير وذكر وأنثى، كالجبال العظام، وهي المعروفة ببلاد تنّيس من أرض مصر بذات الكوم، وما يوجد ببلاد مصر وصعيدها من الناس المدرّسين (c) بعضهم على بعض في الكهوف والغيران والنّواويس، ومواضع كثيرة من الأرض، لا يدرى من أيّ الأمم هم، فلا النّصارى تخبر عنهم أنّهم من أسلافهم، ولا اليهود تقول إنّهم من أوائلهم، ولا المسلمون يدرون من هؤلاء، ولا تاريخ يبنئ عن حالهم، وعليهم أثوابهم، وكثيرا ما يوجد في تلك الرّوابي (d) والجبال من حليتهم.

والبرابي ببلاد مصر بنيان قائم عجيب كالبربا التي [ببلاد أنصنا من صعيد مصر، والبربا التي] (e) بإخميم، والتي بسمنّود وغير ذلك (١).


(a) زيادة من مروج الذهب.
(b) بولاق: المتقذرة.
(c) الأصل وبولاق: المنكسين.
(d) بولاق: البرابي.
(e) زيادة من مروج الذهب.
(١) المسعودي: مروج الذهب ٨٨: ٢ - ٩٠.