السّلطنة، فلم يسكن دار النّيابة في القلعة، ولا خرج عمّا يعرفه من حال حاجب الحجّاب. ولم يل النّيابة بعد تمراز أحد إلى يومنا هذا (١).
وكانت حقيقة النّائب أنّه السّلطان الثّاني، وكانت سائر نوّاب الممالك الشّاميّة وغيرها تكاتبه في غالب ما تكاتب فيه السّلطان، ويراجعونه فيه كما يراجع السّلطان. وكان يستخدم الجند، ويخرج الإقطاعات من غير مشاورة، ويعيّن الإمرة (a) لكن بمشاورة السّلطان (٢).
وكان النّائب هو المتصرّف المطلق التصرّف في كلّ أمر: فيراجع في الجيش والمال والخبر - وهو البريد - وكلّ ذي وظيفة [في نيابة] (b) لا يتصرّف إلاّ بأمره، ولا يفصل أمرا معضلا إلاّ بمراجعته.
وهو الذي يستخدم الجند، ويرتّب في الوظائف، إلاّ ما كان منها جليلا - كالوزارة، والقضاء، وكتابة السّرّ، والجيش - فإنّه يعرض على السّلطان من يصلح. وكان قلّ أن لا يجاب في شيء يعيّنه (٣).
وكان من عدا نائب السّلطنة بديار مصر يليه في رتبة النّيابة. وكلّ نوّاب الممالك تخاطب ب «ملك الأمراء»، إلاّ نائب السّلطنة بمصر فإنّه يسمّى «كافل الممالك» تمييزا له، وإبانة عن عظيم محلّه (٤). وبالحقيقة ما كان يستحقّ اسم نيابة السّلطنة، بعد النّائب بمصر، سوى نائب الشّام بدمشق فقط. وإنّما كانت النّيابة تطلق أيضا على أكابر نوّاب الشّام، وليس لأحد منهم من التّصرّف ما كان لنائب دمشق. إلاّ أنّ نيابة السّلطنة بحلب تلي رتبة نيابة السّلطنة بدمشق.
وقد اختلّت الآن الرّسوم، واتّضعت الرّتب، وتلاشت الأحوال، وعادت أسماء لا معنى لها وخيالات حاصلها عدم. واللّه يفعل ما يشاء (٥).
(a) مسالك الأبصار: الأمراء. (b) زيادة من مسالك الأبصار. (١) انظر لتفاصيل أكثر عن وظيفة «نائب السّلطنة»، ليلى عبد الجواد إسماعيل: «نائب السّلطنة في القاهرة في عصر دولة المماليك البحرية»، المؤرخ المصري ١ (١٩٨٨)، ١٥٩ - ٢٢٥؛ محمد عبد الغني الأشقر: نائب السّلطنة المملوكية في مصر (من ٦٤٨ - ٩٢٣ هـ/ ١٢٥٠ - ١٥١٧ م)، القاهرة - سلسلة تاريخ المصريين ١٩٩٩؛ Gibb H.A.R.، El art.Naib VII، pp. ٩١٥ - ١٦; Van Steenbergen، J،. «The office of Naib al-Saltana of Damascus: ٧٤١ - ٧٨٤/ ١٣٤١ - ١٣٨٢.A Case Study» in Egypt andL ٢ Syria in the Fatimid، Ayyubid and Mamluk Eras، III، pp. ٤٢٩ - ٤٨. (٢) ابن فضل اللّه العمري: مسالك الابصار ٥٥ - ٥٦. (٣) نفسه ٥٥. (٤) نفسه ٥٥. (٥) هنا في هامش (ص): «قلت: ولو أدرك الشّيخ أيّامنا لعظمت عنده أيّامه، وللّه الأمر من قبل ومن بعد».