فإذا مثل النّائب في حضرة السّلطان، وقف في ركن الإيوان إلى أن تنقضي الخدمة، فيخرج إلى دار النّيابة والأمراء معه، ويمدّ السّماط بين يديه كما يمدّ سماط السّلطان، ويجلس جلوسا عامّا للنّاس، وتحضره أرباب الوظائف، وتقف قدّامه الحجّاب، وتقرأ عليه (a) القصص، وتقدّم إليه الشّكاة، ويفصل أمورهم. فكان السّلطان يكتفي بالنّائب، ولا يتصدّى لقراءة القصص عليه وسماع الشّكوى، تعويلا منه على قيام النّائب بهذا الأمر (١).
وإذا قرئت القّصص على النّائب نظر: فإن كان مرسومه يكفي فيها أصدره عنه، وما لا يكفي فيه إلاّ مرسوم السّلطان، أمر بكتابته عن السّلطان وأصدره، فيكتب ذلك، وينبّه فيه على أنّه بإشارة النّائب، ويميّز عن نوّاب السّلطان بالممالك الشّامية بأن يعبّر عنه ب «كافل المملكة الشّريفة الإسلامية»(٢).
وما كان من الأمور التي لا بدّ له من إحاطة علم السّلطان بها، فإنّه إمّا أن يعلمه بذلك منه إليه وقت الاجتماع به، أو يرسل إلى السّلطان من يعلمه به ويأخذ رأيه فيه (٣).
وكان ديوان الإقطاع - وهو الجيش في زمان النّيابة - ليس لهم خدمة إلاّ عند النّائب، ولا اجتماع إلاّ به، ولا يجتمع ناظر الجيش بالسّلطان في أمر من الأمور. فلمّا أبطل الملك النّاصر محمد بن قلاوون النّيابة، صار ناظر الجيش يجتمع بالسّلطان، واستمرّ ذلك بعد إعادة النّيابة.
وكان الوزير وكاتب السّرّ يراجعان النّائب في بعض الأمور دون بعض. ثم اضمحلّت نيابة السّلطنة في أيّام النّاصر محمد بن قلاوون، وتلاشت أوضاعها (٤). فلمّا مات أعيدت بعده، ولم تزل إلى أثناء الأيّام الظّاهرية برقوق. وآخر من وليها على أكثر قوانينها الأمير سودون الشّيخي، وبعده لم يل النّيابة أحد في الأيّام الظّاهريّة. ثم إنّ النّاصر فرج بن برقوق أقام الأمير تمراز في نيابة
(a) ساقطة من بولاق. (١) ابن فضل اللّه العمري: مسالك الأبصار ٥٦؛ القلقشندي: صبح الأعشى ١٧: ٤. (٢) كافل المملكة (الممالك) الشّريفة الإسلامية. هو نائب السّلطان بالحضرة، يحكم في كلّ ما يحكم فيه السّلطان، ويعلّم في التّقاليد والتّواقيع والمناشير وغير ذلك ممّا يعلّم عليه السّلطان، بينما بقيّة النّوّاب لا يعلّم الرجل منهم إلاّ على ما يتعلّق بخاصّة نيابته. (ابن فضل اللّه العمري: التعريف ٢٩٤؛ وانظر كذلك القلقشندي: صبح الأعشى ١٣٤: ١١). (٣) ابن فضل اللّه العمري: مسالك الأبصار ٥٦؛ القلقشندي: صبح الأعشى ١٧: ٤. (٤) نفسه ٥٦؛ نفسه ١٧: ٤.