لقاس بن مرنيوس، فلم يقدر أحد على إصلاحه ومعرفة علمه، وبقى على حاله، وانقطع ما كان يقهرون به الناس، وبقوا كغيرهم. إلاّ أنّ الجمع كثير، والمال عندهم (١).
فلمّا قدم بخت نصّر بيت المقدس، وظهر على بني إسرائيل وسباهم، وخرج بهم إلى أرض بابل، قصد مصر، وخرّب مدائنها وقراها، وسبى جميع أهلها، ولم يترك بها شيئا، حتى بقيت مصر أربعين سنة خرابا ليس فيها ساكن، يجري نيلها ويذهب لا ينتفع به. ثم ردّ أهل مصر إليها بعد أربعين سنة، فعمّروها، ولم تزل مقهورة من يومئذ (٢).
وقال بعض الحكماء: رأيت البرابي وأخذت أتأمّلها، فوجدتها مشتملة (a) على جميع أشكال الفلك. والذي ظهر لي أنّه لم يعملها حكيم واحد، (b)) ولا ملك واحد (b)، بل تولّى عملها قوم بعد قوم، حتى تكاملت في دور كامل، وهو ستة وثلاثون ألف سنة شمسية؛ لأنّ مثل هذه الأعمال لا تعمل إلاّ بالأرصاد، ولا يتكامل رصد المجموع في أقلّ من هذه المدّة المذكورة.
وكانوا يجعلون الكتاب حفرا ونقرا في الصّخور، ونقشا في الحجارة، وحلقة مركّبة في البنيان. وربّما كان الكتاب هو الحفر إذا كان متضمّنا لأمر جسيم، أو عهدا لأمر عظيم، أو موعظة يرتجى نفعها، أو إحياء شرف يريدون تخليد ذكره.
وقد كتب غير المصريين كذلك كما كتبوا على قبّة غمدان، وعلى باب القيروان، وعلى باب سمرقند، وعلى عمود مأرب، وعلى ركن المستقرّ، وعلى الأبلق المفرد، وعلى باب الرّها.
وكانوا يعمدون إلى الأماكن الشّريفة والمواضع المذكورة، فيضعون الخطّ في أبعد المواضع من الدّثور، وأمنعها من الدّروس، وأجدر أن يراها من مرّ بها، ولا ينسى على طول الدّهر.
وقال المسعوديّ: واتّخذت دلوكة بمصر البرابي والصّور، وأحكمت آلات السّحر، وجعلت في البرابي صور من يرد من كلّ ناحية ودوابهم إبلا كانت أو خيلا، وصوّرت فيها من يرد من البحر في المراكب من بحر الغرب والشّام، وجمعت في هذه البرابي العظيمة المشيّدة البنيان أسرار الطبيعة، وخواصّ الأحجار والنّباتات والحيوانات، وجعلت ذلك في أوقات فلكيّة، واتّصالها بالمؤثّرات العلويّة؛ فكانوا إذا ورد إليهم جيش من نحو الحجاز واليمن، غوّرت تلك الصّور التي
(a) بولاق: مستحكمة. (b-b)) ساقطة من بولاق. (١) ابن عبد الحكم: فتوح مصر ٢٧ - ٢٨. (٢) نفسه ٣١ - ٣٢ بتصرّف.