للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجميعها ملفوفة بثياب كأنّها قد كفّنت بعد الموت. وأنّه أخذ منها سمكة وفتّشها/ فإذا في فمها دينار عليه كتابة لا يحسن قراءتها، وأنّه صار يأخذها سمكة سمكة ويخرج من فمّ كلّ واحدة دينارا، حتى اجتمع له من ذلك عدّة دنانير، وأنّه أخذ تلك الدّنانير ورجع ليخرج حتى جاء إلى الكوم السّندروس وإذا به ارتفع حتى سدّ عليه الموضع. فعاد إلى السّمك وأعاد الدنانير إلى مواضعها وخرج، فإذا السّندروس كما كان أوّلا بحيث يتجاوزه ويخرج. فعاد وأخذ الدّنانير ومشى يخرج بها، فإذا السّندروس قد ارتفع حتى سدّ عليه الموضع. فعاد إلى السّمك وأعاد الدّنانير إلى موضعها وخرج، فإذا السّندروس على حاله كما كان أوّلا بحيث يتجاوزه ويخرج.

وأنّه كرّر أخذ الدّنانير وإعادتها مرارا، والحال على ما ذكر، حتى خشي الهلاك فتركها وخرج.

فلمّا كان مدّة سكن موضعها فرأى حجرا في جدار وقد قوّر، ووضع حجر آخر، فحاول الحجر الآخر حتى رفعه، فإذا تحته ستة دنانير من تلك الدّنانير التي وجدها في أفواه السّمك، فأخذ منها واحدا وترك البقيّة في موضعها، وأعاد الحجر على الحجر.

وقدّر اللّه بعد ذلك أنّه ركب النّيل ليعدّي من البرّ الشرقي إلى البرّ الغربي؛ قال: فلمّا توسّط البحر، وإذا بالأسماك تثب من الماء وتلقي أنفسها في المركب حتى كدنا نغرق من كثرتها، فصاح الرّكّاب خوفا من الهلاك. قال: فتذكّرت الدّينار الذي معي، وأنّ هذا ربّما كان بسببه، فأخرجته من جيبي وألقيته في الماء، فتواثبت الأسماك من المركب وألقت نفسها في الماء حتى لم يبق منها شيء.

قلت: وأخبرني قديما بعض من لا أتّهمه أنّه ظفر بطلّسم من هذا المعنى، وأنّه عنده، وأراد أن يريني السّمك يثب من الماء فلم يقدّر لي أن أرى ذلك.

قال ابن عبد الحكم: لمّا أغرق اللّه آل فرعون، بقيت مصر بعد غرقهم ليس فيها من أشراف أهلها أحد، ولم يبق بها إلاّ العبيد والأجراء والنّساء. فاتّفق من بمصر من النّساء أن يولّين منهم أحدا، وأجمع رأيهن أن يولّين امرأة منهنّ يقال لها: دلوكة بنت زبّاء، وكان لها عقل ومعرفة وتجارب، وكانت في شرف منهن وموضع، وهي يومئذ بنت مائة وستين سنة، فملّكوها؛ فخافت أن يتناولها الملوك، فجمعت نساء الأشراف وقالت لهنّ: إنّ بلادنا لم يكن يطمع فيها أحد، ولا يمدّ عينه إليها، وقد هلك أكابرنا وأشرافنا، وذهب السّحرة الذين كنّا نقوى بهم. وقد رأيت أن أبني حصنا أحدق به جميع بلادنا، فأضع عليه المحارس من كلّ ناحية، فإنّا لا نأمن أن يطمع فينا الناس.