وكان قسطة هذا من عقلاء الأمراء المائلين إلى العدل، المثابرين على مطالعة الكتب (١)، وأكثر ميله إلى التّواريخ وسير المتقدّمين، وكان مسجده بعد مسجد شقيق الملك (٢). ومسجد الدّيلمي كان على قرنة الجبل المقابل للقلعة من شرقيها إلى البحري، وقبره قدّام الباب. وتربة ولخشي الأمير، والد السّلطان رضوان بن ولخشي المنعوت بالأفضل، كان من الأعيان الفضلاء الأدباء، ضرب على طريقة ابن البوّاب وأبي عليّ بن مقلة، وكتب عدّة ختمات، وكان كريما شجاعا يلقّب فحل الأمراء. وكانت هذه التّربة آخر الصّفّ.
ومسجد شقيق الملك الأستاذ خسروان، صاحب بيت المال، أضيف إلى سور القلعة البحري إلى الغرب قليلا (٣). ومسجد أمين الملك صارم الدّولة مفلح - صاحب المجلس الحافظي - كان بعد مسجد القاضي ابن أبي الحجّاج المعروف بمسجد عبد الجبّار، وهو في وسط القلعة، وبعده تربة لاون أخي يانس. ومسجد القاضي النّبيه كان لهمّام الدّولة غنّام، ومات رسولا ببلاد الرّوم (a)،
(a) بولاق: الشام. (١) السلفي: معجم السّفر ٣٢٥ (ترجمة رقم ١١٣٨). (٢) يدلّ على موقع مسجد قسطة المسجد المعروف الآن بمسجد سارية الواقع بالقرب من السّور البحري الشرقي، وورد هذا المسجد على الخريطة التي رسمها علماء الحملة الفرنسية سنة ١٧٩٨ باسم جامع الشارية (S-٢، ٣١) بالقرب من قصر الحرم. وقد جدّد والي مصر العثماني سليمان باشا الخادم هذا المسجد سنة ٩٣٥ هـ/ ١٥٢٨ م، كما هو مكتوب في لوح من الرّخام مثبت بأعلى الباب الغربي للجامع (مسجل بالآثار برقم ١٤٢). ويوجد داخل هذا المسجد قبو ضخم يضمّ بعض التّرب وبأعلاه رخامة نقش عليها أنّ الذي «أنشأ هذا المسجد المبارك الأمير المرتضى المنصور مجد الخلافة عمدة الإمامة فخر الدّين عزّ المجاهدين ذي الفضيلتين خالصة أمير المؤمنين أبي المنصور قسطة، كان اللّه له وليّا وحافظا وأثابه في الآخرة جنانا ورضوانا ابتغاء مرضاة اللّه سبحانه، وذلك في رجب من شهور سنة خمس وثلاثين وخمس مائة» Casanova، P.، op.cit.، pp. ٥٥٩ - ٦٠; Wiet G.،) (RCEA ٨، P. ٢٢٠ n ٣١٠١ L ٢. وواضح أنّ سليمان باشا الخادم عند تأسيس مسجده نقل اللّوح القديم من المسجد ووضعه على القبو الذي يشتمل على تربة أبي المنصور قسطه وغيرها من ترب المماليك، وتمتاز هذه التّرب بأنّه على شاهد كلّ قبر منها نوع لباس الرأس الذي كان يلبسه المملوك المدفون فيه، وهي تقدّم لنا بذلك نماذج نادرة لأشكال ملابس الرأس عن المماليك. Casanova، P.، op.cit.، pp. ٥٥٩ - ) ٦١ (الترجمة العربية ٦٤ - ٦٦)؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٢٦٢: ١١ - ٢٦٣ هـ ٣، وقد خلط محمد رمزي في تحديده لموقع المسجد بينه وبين مسجد الرّديني الآتي ذكره بعد قليل، والذي لابد أنّه كان مجاورا له). (٣) ابن عبد الظاهر: الروضة البهية ١٣١، وفيه: «وكان هذا الأستاذ من الأجلاء الكرماء وفيه خير، وكان لأهل المساجد عليه رسوم في المواسم المصرية كليالي الوقودات وأوائل الصوم».