خمس وتسعين ومائة (١). قال: ثم مات عيسى بن منصور، أمير مصر، في قبّة الهواء بعد عزله لإحدى عشرة خلت من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وثلاثين ومائتين (٢).
ولمّا قدم أمير المؤمنين المأمون إلى مصر في سنة سبع عشرة ومائتين، وجلس بقبّة الهواء هذه، وكان بحضرته سعيد بن عفير، فقال المأمون: لعن اللّه فرعون حيث يقول: «أليس لي ملك مصر»؟ فلو رأى العراق وخصبها! فقال سعيد بن عفير: يا أمير المؤمنين لا تقل هذا، فإنّ اللّه ﷿ قال: ﴿وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ﴾ [الآية ١٣٧ سورة الأعراف].
فما ظنّك يا أمير المؤمنين بشيء دمّره اللّه هذا بقيّته؟
ثم قال سعيد: لقد بلغنا أنّ أرضا لم تكن أعظم من مصر، وجميع أهل الأرض يحتاجون إليها، وكانت الأنهار بقناطر وجسور بتقدير، حتى إنّ الماء يجري تحت منازلهم وأفنيتهم يرسلونه متى شاءوا ويحبسونه متى شاءوا، وكانت البساتين (a) تحاذي النّيل من أوّله إلى آخره ما بين أسوان إلى رشيد إلى الشام (a) متّصلة لا تنقطع. ولقد كانت الأمة تضع المكتل على رأسها فيمتلئ مما يسقط من الشّجر، وكانت المرأة تخرج حاسرة لا تحتاج إلى خمار لكثرة الشّجر.
وفي قبّة الهواء حبس المأمون الحارث بن مسكين.
قال الكنديّ في كتاب «الموالي»: قدم المأمون مصر - وكان بها رجل يقال له الحضرميّ يتظلّم من ابن أسباط وابن تميم - فجلس الفضل بن مروان في المسجد الجامع، وحضر مجلسه يحيى بن أكثم وابن أبي دواد (b)، وحضر إسحاق بن إسماعيل بن حمّاد بن زيد - وكان على مظالم مصر - وحضر جماعة من فقهاء مصر وأصحاب الحديث.
وأحضر الحارث بن مسكين ليولّى قضاء مصر، فدعاه الفضل بن مروان، فبينا هو يكلّمه، إذ قال الحضرميّ للفضل: سل - أصلحك اللّه - الحارث عن ابن أسباط وابن تميم. قال: ليس لهذا أحضرناه. قال: أصلحك اللّه، سله. فقال الفضل للحارث: ما تقول في هذين الرّجلين؟ فقال: ظالمين غاشمين. قال: ليس لهذا أحضرناك.
(a-a) إضافة من مسودة الخطط. (b) بولاق: ابن أبي داود. (١) الكندي: ولاة مصر ١٧٤. (٢) نفسه ٢٢١.