للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت عادة الأمراء أن يركب الأمير منهم حيث يركب من (a) المدينة وخلفه جنيب، وأمّا أكابرهم فيركب بجنيبين، هذا في المدينة والحاضرة. وهكذا يكون إذا خرج إلى سرياقوس وغيرها من نواحي الصّيد، ويكون في الخروج إلى سرياقوس وغيرها من الأسفار لكلّ أمير طلب يشتمل على أكثر مماليكه، وقدّامهم خزانة محمولة على جمل واحد يجره راكب آخر على جمل والمال على جملين، وربّما زاد بعضهم على ذلك. وأمام الخزانة عدّة جنائب تجرّ على أيدي مماليك ركاب خيل وهجن وركابه (b) من العرب على هجن، وأمامها الهجن بأكوارها مجنوبة، وللطّبلخاناه قطار واحد وهو أربعة، ومركوب الهجان والمال قطاران، وربّما زاد بعضهم. وعدد الجنائب في كثرتها وقلّتها إلى رأي الأمير وسعة نفسه. والجنائب منها ما هو مسرج ملجم، ومنها ما هو بعنانه (c) لا غير. وكان يضاهي بعضهم بعضا في الملابس الفاخرة والسّروج المحلاّة والعدد المليحة.

وكان من رسوم السّلطان في خروجه إلى سرياقوس وغيرها من الأسفار، ألاّ يتكلّف إظهار كلّ شعار السّلطنة، بل يكون الشّعار في موكبه السّائر فيه جمهور مماليكه مع المقدّم عليهم وأستادّاره، وأمامهم الخزائن والجنائب والهجن. وأمّا هو نفسه فإنّه يركب ومعه عدّة كبيرة من الأمراء الكبار والصّغار من الغرباء والخواصّ، ونخبة (d) من خواصّ مماليكه. ولا يركب في السّير برقبة ولا بعصائب (١)، بل تتبعه جنائب خلفه، ويقصد في الغالب تأخير النّزول إلى اللّيل، فإذا جاء اللّيل حملت قدّامه فوانيس كثيرة ومشاعل (٢)، فإذا قارب مخيّمه تلقي بشموع مركّبة (e) في شمعدانات كفت، وصاحت الجاويشية بين يديه، ونزل النّاس كافّة إلاّ حملة السّلاح فإنّهم


(a) بولاق: في.
(b) بولاق: وركاب.
(c) بولاق: بعباءة.
(d) بولاق: جملة.
(e) بولاق: موكبيه.
(١) الرّقبة. لباس لرقبة فرس السّلطان تكون من حرير أصفر مطرّزة بالذّهب الزّركش، ويدقّ القالب عليها حتى يصبح الحرير غير ظاهر فيها. تشدّ على رقبة فرس السّلطان في المواكب العظام لتكون مضاهية لما يركب به من الكنبوش الزّركش المغطي لظهر الفرس وكفله. (القلقشندي: صبح الأعشى ١٣٣: ٢، ٨: ٤).
والعصابة ج. عصائب. الألوية، أخذ ذلك من عصابة الرأس، لأنّ الراية تعصب رأس الرّمح من أعلاه، وقد يعبّر عنها أيضا بالسّناجق مفردها سنجق. (نفسه ١٣٤: ٢).
(٢) الفانوس ج. الفوانيس. آلة كرّيّة ذات أضلاع من حديد، مغشّاة بخرقة من رقيق الكتّان الصّافي البياض، يتّخذ للاستضاءة بغرز الشّمعة في أسفل باطنه فيشفّ عن ضوئها؛ ومن شأنها أن تحمل منها اثنان أمام السّلطان أو الأمير في السّفر في اللّيل.
والمشاعل مفردها مشعل. آلة من حديد كالقفص مفتوح الأعلى، وفي أسفله خرقة لطيفة، توقد فيه النّار بالحطب فيبسط ضوءه، يحمل أمام السّلطان ونحوه في السّفر ليلا أيضا. (القلقشندي: صبح الأعشى ١٣٧: ٢).