فكان السّلطان يخرج في كلّ سنة من قلعة الجبل بعد ما تنقضي أيّام الرّكوب، إلى الميدان الكبير النّاصريّ على النّيل، ومعه جميع أهل الدّولة من الأمراء والكتّاب وقاضي العسكر وسائر أرباب الرّتب، ويسير إلى السّرحة بناحية سرياقوس، وينزل بالقصور، ويركب إلى الميدان هناك للّعب بالكرة، ويخلع على الأمراء وسائر أهل الدّولة، ويقيم في هذه السّرحة أيّاما. فيمرّ للنّاس في إقامتهم بهذه السّرحة أوقات لا يمكن وصف ما فيها من المسرّات، ولا حصر ما ينفق فيها من المآكل والهبات من الأموال.
ولم يزل هذا الرّسم مستمرّا إلى سنة تسع وتسعين وسبع مائة (١)، وهي آخر سرحة سار إليها السّلطان بسرياقوس. ومن هذه السّنة انقطع السّلطان الملك الظّاهر برقوق عن الحركة لسرياقوس، فإنّه اشتغل في سنة ثمان مائة بتحرّك المماليك عليه من وقت قيام الأمير إلي باي (a) إلى أن مات.
وقام من بعده ابنه الملك النّاصر فرج، فما صفا الوقت/ في أيّامه من كثرة الفتن وتواتر الغلوات والمحن، إلى أن نسي ذلك، وأهمل أمر الميدان والقصور وخرب، وفيه إلى الآن بقيّة قائمة. ثم بيعت هذه القصور في صفر سنة خمس وعشرين وثمان مائة بمائة دينار لينقض خشبها وشبابيكها وغيرها، فنقضت كلّها (٢).
وكان من (b)) عادة السّلطان إذا خرج إلى (b) الصّيد بسرياقوس أو كنبرا أو البحيرة، أنّ (c) ينعم على أكابر أمراء المئين (d) قدرا وسنّا: كلّ واحد بألف مثقال ذهبا، وبرذون خاصّ مسرج ملجم، وكنبوش مذهب.
وكان من عادته (e)، إذا (f)) مرّ في متصيّداته بإقطاع (f) أمير كبير، قدّم له من الغنم والإوز والدّجاج وقصب السّكّر والشّعير ما تسمو همّة مثله إليه. فيقبله السّلطان منه، وينعم عليه بخلعة كاملة، وربّما أمر لبعضهم بمبلغ مال (٣).
(a) بولاق: علي باي. (b-b) بولاق: عادته إذا مرّ في متصيداته بإقطاع. (c) بولاق: أنه. (d) بولاق: أمراء الدولة. (e) بولاق: عادة السلطان. (f-f) بولاق: إذا خرج إلى. (١) المقريزي: السلوك ٨٦٨: ٣. (٢) نفسه ٥٢٦: ٤. (٣) ابن فضل اللّه العمري: مسالك الأبصار ٣١؛ القلقشندي: صبح الأعشى ٦٣: ٤.