عبرة» … في كلام كثير من هذا الجنس. فاشتدّ خوف النّاس، وعظم فرعهم.
فلمّا كان من الغد نودي:«معاشر النّاس قد أمّن اللّه من أخذ شيئا أو نهب شيئا على نفسه وماله، فليردّ من بقي عنده شيء من النّهب، وقد أجّلناكم من اليوم إلى مثله».
وفي سابع جمادى الآخرة نزل ابن نسطورس إلى الصّناعة، وطرح مركبين في غاية الكبر من التي استعملها بعد حريق الأسطول. وفي غرّة شعبان نزل أيضا، وطرح بين يديه أربعة مراكب كبارا من المنشأة بعد الحريق.
واتّفق موت العزيز باللّه، وهو سائر إلى الشّام، في مدينة بلبيس. فلمّا قام من بعده ابنه الحاكم بأمر اللّه في الخلافة، أمر في خامس شوّال بحطّ الذين صلبهم ابن نسطورس، فتسلّمهم أهلهم، وأعطى لأهل كلّ مصلوب عشرة دنانير برسم كفنه ودفنه (١).
وخلع على عيسى بن نسطورس، وأقرّه في ديوان الخاصّ (٢)، ثم قبض عليه في ليلة الأربعاء سابع المحرّم سنة سبع وثمانين وثلاث مائة، واعتقله إلى ليلة الاثنين سابع عشرينه. فأخرجه الأستاذ برجوان - وهو يومئذ يتولّى تدبير الدّولة - إلى المقس، وضرب عنقه (٣). فقال وهو ماض إلى المقس: كلّ شيء قد كنت أحسبه إلاّ موت العزيز باللّه، ولكنّ اللّه لا يظلم أحدا. واللّه إنّي لأذكر وقد ألقيت السّهام للقوم المأخوذين في نهب دار مانك - وفي بعضها مكتوب «يقتل» وفي أخرى «يضرب» - فأخذ شاب ممّن قبض عليه رقعة منها فجاء فيها «يقتل»، فأمرت به إلى القتل؛ فصاحت أمّه ولطمت وجهها، وحلفت أنّها وهو ما كانا ليلة النّهب في شيء من أعمال مصر، وإنّما وردا مصر بعد النّهب بثلاثة أيّام، وناشدتني اللّه تعالى أن أجعله من جملة من يضرب بالسّوط، وأن يعفى من القتل، (a)) فسلّم النّقب إليها (a)، وأمرت بضرب عنقه. فقالت أمّه: إن كنت لابد قاتله، فاجعله آخر من يقتل لأتمتّع به ساعة. فأمرت به فجعل أوّل من ضرب عنقه.
فلطّخت بدمه وجهها، وسبقتني - وهي منبوشة الشّعر ذاهلة العقل - إلى القصر. فلمّا وافيت، قالت لي: أقتلته! كذلك يقتلك اللّه. فأمرت بها، فضربت حتى سقطت إلى الأرض. ثم كان من الأمر ما ترون ممّا أنا صائر إليه. وكان خبره عبرة لمن اعتبر.
(a-a) بولاق: فلم ألتفت إليها. (١) المقريزي: اتعاظ الحنفا ٦: ٢. (٢) نفسه ٦: ٢. (٣) نفسه ٨: ٢.