للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فطاف أصحاب الشّرط في الأسواق بسجلّ فيه الأمر بردّ ما نهب من دار مانك وغيرها، والتّوعّد لمن ظهر عنده منه شيء، وحفظ أبو الحسن يانس البلد، وضبط النّاس.

وأمر عيسى بن نسطورس أن يمدّ للوقت عشرون مركبا، وطرح الخشب، وطلب الصّنّاع، وبات في الصّناعة، وجدّ الصّنّاع في العمل. وبات (a) أحداث النّاس وعامّتهم يلعبون برءوس القتلى، ويجرون بأرجلهم في الأسواق والشّوارع، ثم قرنوا بعضهم إلى بعض على ساحل النّيل بالمقس، وأحرقوا يوم السبت.

وضرب بالجرس في البلدان أن لا (b) يتخلّف أحد ممّن نهب شيئا حتى يحضر ما نهبه ويردّه، ومن علم عليه بشيء أو كتم شيئا أو جحده أو أخّره، حلّت به العقوبة الشّديدة. وتتبّع من نهب، فقبض على عدّة قتل منهم عشرون رجلا ضربت أعناقهم، وضرب ثلاثة وعشرون رجلا بالسّياط، وطيف بهم وفي عنق كلّ واحد رأس رجل ممن قتل من الرّوم، وحبس عدّة أناس، وأمر بضرب من ضربت أعناقهم فصلبوا عند كوم دينار، وردّ المضروبون إلى المطبق. وكان ضرب من ضرب من النّهّابة، وقتل من قتل منهم برقاع كتبت لهم. تناول كلّ واحد منهم رقعة فيها مكتوب إمّا بقتل أو ضرب، فأمضى فيهم بحسب ما كان في رقاعهم من قتل أو ضرب. واشتدّ الطّلب على النّهّابة، فكان النّاس يدلّ بعضهم على بعض، فإذا أخذ أحد ممّن اتّهم بالنّهب حلف بالأيمان المغلّظة أنّه ما بقي عنده شيء.

وجدّ عيسى بن نسطورس في عمل الأسطول وطلب الخشب، فلم يدع عند أحد خشبا علم به إلاّ أخذه منه، وتزايد إخراج النّهّابة لما نهبوه، فكانوا يطرحونه في الأزقّة والشّوارع خوفا من أن يعرفوا به، وحبس كثير ممّن أحضر شيئا أو عرف عليه من النّهب.

فلمّا كان يوم الخميس ثامن جمادى الأولى ضربت أعناقهم كلّهم على يد أبي أحمد جعفر، صاحب يانس، فإنّه قدم في عسكر كثير من اليانسية، حتى ضربت أعناق الجماعة، وأغلقت الأسواق يومئذ.

وطاف متولّي الشّرطة، وبين يديه أرباب النّفط بعددهم، والنّار مشتعلة، واليانسية ركاب بالسّلاح، وقد ضرب جماعة وشهرهم بين يديه وهم ينادى عليهم: «هذا جزاء من أثار الفتن، ونهب حريم أمير المؤمنين، فمن نظر فليعتبر، فما تقال لهم عثرة، ولا ترحم لهم


(a) بولاق: وأغلب.
(b) بولاق: على البلد ألا.