للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن هناك يخرج إلى بحر الملح، فيكون له ببلاد العدوّ صيت عظيم ومهابة قويّة.

والعادة أنّه إذا غنم الأسطول ما عسى أن يغنم، لا يتعرّض السّلطان منه إلى شيء ألبتّة إلاّ ما كان من الأسرى والسّلاح فإنّه للسّلطان، وما عداهما من المال والثّياب ونحوهما فإنّه لغزاة الأسطول لا يشاركهم فيه أحد (١). فإذا قدم الأسطول خرج الخليفة أيضا إلى منظرة المقس وجلس فيها للقائه.

وقدم الأسطول مرّة بألف وخمس مائة أسير. وكانت العادة أنّ الأسرى ينزل بهم في المناخ، وتضاف الرجال إلى من فيه من الأسرى، ويمضى بالنّساء والأطفال إلى القصر بعدما يعطي منهم الوزير طائفة. ويفرّق/ ما بقي من النّساء على الجهات والأقارب فيستخدمونهن، ويربّونهن حتى يتقنّ الصّنائع. ويدفع الصّغار من الأسرى إلى الأستاذين فيربّونهم ويتعلّمون الكتابة والرّماية، ويقال لهم «التّرابي»، وفيهم من صار أميرا من صبيان خاصّ الخليفة.

ومن الأسرى من كان يستراب به فيقتل. ومن كان منهم شيخا لا ينتفع به ضربت عنقه، وألقي في بئر كانت في خرائب مصر تعرف ببئر المنامة.

ولم يعرف قطّ عن الدّولة الفاطميّة أنّها فادت أسيرا من الفرنج بمال ولا بأسير مثله. وكان المنفق في الأسطول كلّ سنة خارجا عن العدد والآلات (a) (٢).

ولم يزل الأسطول على ذلك إلى أن كانت وزارة شاور، ونزل مرّي [Amaury] ملك الفرنج على بركة الحبش، فأمر شاور بتحريق مصر وتحريق مراكب الأسطول، فحرقت ونهبها العبيد فيها نهبوا (٣).

فلمّا كان زوال الدّولة الفاطميّة على يد السّلطان صلاح الدّين يوسف بن أيّوب، اعتنى أيضا بأمر الأسطول، وأفرد له ديوانا عرف ب «ديوان الأسطول»، وعيّن لهذا الدّيوان الفيّوم بأعمالها، والحبس الجيوشي في البرّين الشرقي والغربي. وهو من البرّ الشّرقي بهتيت (b) والأميرية والمنية، ومن البرّ الغربي ناحية سفط ونهيا ووسيم والبساتين خارج القاهرة.


(a) بياض بآياصوفيا.
(b) بولاق: بهتين.
(١) ابن الطوير: نزهة المقلتين ٩٨ - ١٠٠، المقريزي: مسودة المواعظ ٢٩٧ - ٢٩٩، وفيما تقدم ٥٦٣: ٢ - ٥٦٤.
(٢) انظر فيما تقدم ٥٦٤: ٢ - ٥٦٥.
(٣) فيما تقدم ١٤٢: ٢ - ١٤٦.