فعبرت تلك الجنود من البحرين إلى فارس، فخرجوا في إصطخر وبإزائهم أهل فارس عليهم الهربذ، فحالوا بين المسلمين وبين سفنهم. فقام خليد في النّاس فقال:
«أمّا بعد، فإنّ اللّه تعالى إذا قضى أمرا جرت المقادير على مطيّته، وإنّ هؤلاء القوم لم يزيدوا بما صنعوا على أن دعوكم إلى حربهم، وإنّما جئتم لمحاربتهم، والسّفن والأرض بعد الآن لمن غلب، فاستعينوا بالصّبر والصّلاة وإنّها لكبيرة إلاّ على الخاشعين».
فأجابوه إلى القتال، وصلّوا الظّهر ثم ناهزوهم، فاقتتلوا قتالا شديدا في موضع يدعى طاووس، فقتل من أهل فارس مقتلة عظيمة لم يقتلوا مثلها قبلها؛ وخرج المسلمون يريدون البصرة - إذ غرقت سفنهم ولم يجدوا في الرّجوع إلى البحر سبيلا - فإذا بهم وقد أخذت عليهم الطّرق، فعسكروا وامتنعوا.
وبلغ عمر بن الخطّاب ﵁ ذلك فاشتدّ غضبه على العلاء، وكتب إليه بعزله وتوعّده، وأمره بأثقل الأشياء عليه وأبغض الوجوه إليه: بتأمير سعد بن أبي وقّاص عليه، وقال:
الحق بسعد بن أبي وقّاص بمن قبلك (a). فخرج العلاء (b) من البحرين بمن معه نحو سعد وهو يومئذ على الكوفة، وكان بينهما تباين وتباعد.
وكتب عمر إلى عتبة بن غزوان:«بأنّ العلاء بن الحضرمي حمل جندا من المسلمين في البحر فأقطعهم إلى فارس وعصاني، وأظنّه لم يرد اللّه ﷿ بذلك، فخشيت عليهم ألاّ ينصروا وأن يغلبوا، فاندب لهم النّاس، وضمّهم إليك من قبل أن يحتاجوا». فندب عتبة النّاس، وأخبرهم بكتاب عمر. فانتدب عاصم بن عمرو، وعرفجة بن هرثمة، وحذيفة بن محصن، ومجراة بن ثور، ونهار بن الحارث، والتّرجمان بن فلان، والحصين بن أبي الحرّ، والأحنف ابن قيس، وسعد بن أبي العرجاء، وعبد الرّحمن بن سهل، وصعصعة بن معاوية، فساروا من البصرة في اثني عشر ألفا على البغال يجنّبون الخيل، وعليهم أبو سبرة بن أبي رهم. فساحل بهم حتى التقى أبو سبرة وخليد حيث أخذت عليهم الطّرق، وقد استصرخ أهل إصطخر أهل فارس كلّهم، فأتوهم من كلّ وجه/ وكورة. فالتقوا هم وأبو سبرة، فاقتتلوا، ففتح اللّه على المسلمين، وقتل المشركون، وعاد المسلمون بالغنائم إلى البصرة، ورجع أهل البحرين إلى منازلهم.