للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعلى ما لا يتّسع له الصّدر.

والأمير، أيّده اللّه تعالى، أولى من أعانني على ما أوثره من لزوم عهده، وأتوخّاه من تأكيد عقده، بحسن العشرة والإنصاف، وكفّ الأذى والمضرّة، وألاّ يضطرني إلى ما يعلم اللّه ﷿ كرهي له: أن أجعل ما قد أعددته لحياطة الدّولة من الجيوش المتكاثفة، والعساكر المتضاعفة التي قد ضرست رجالها من الحروب، وجرت عليهم محن الخطوب، مصروفا إلى نقضها، فعندنا وفي حيّزنا من يرى أنه أحقّ بهذا الأمر وأولى من الأمير، ولو أمّنوني على أنفسهم - فضلا عن أن يعثروا منّي على ميل أو قيام بنصرتهم - لاشتدّت شوكتهم، ولصعب على السّلطان معاركتهم. والأمير يعلم أنّ بإزائه منهم واحدا قد كبر عليه، وفضّ كلّ جيش أنهضه إليه، على أنّه لا ناصر له إلاّ لفيف البصرة وأوباش عامّتها، فكيف من يجد ركنا منيعا وناصرا مطيعا؟

وما مثل الأمير في أصالة رأيه يصرف مائة ألف عنان عدّة له، فيجعلها عليه بغير ما سبب يوجب ذلك. فإن يكن من الأمير إعتاب أو رجوع إلى ما هو أشبه به وأولى، وإلاّ رجوت من اللّه ﷿ كفاية أمره، وحسم مادة شرّه، وإجراءنا في الحياطة على أجمل عادته عندنا. والسّلام».

فلمّا وصل الكتاب إلى الموفّق أقلقه، وبلغ منه مبلغا عظيما، وأغاظه غيظا شديدا. وأحضر موسى بن بغا - وكان عون الدّولة وأشدّ أهلها بأسا وإقداما - فتقدّم إليه في صرف أحمد ابن طولون عن مصر وتقليدها أماجور (a). فامتثل ذلك، وكتب إلى أماجور (a) كتاب التّقليد وأنفذه إليه. فلمّا وصل إليه الكتاب، توقّف عن إرساله إلى أحمد بن طولون لعجزه عن مناهضته.

وخرج موسى بن بغا عن الحضرة مقدّرا أنّه يدوس (b) عمل المفوّض ليحمل الأموال منه، وكتب إلى أماجور (a) أمير الشّام وإلى أحمد بن طولون أمير مصر - لما بلغه/ من توقّف أماجور (a) عن مناهضته - يأمرهما بحمل الأموال، وعزم على قصد مصر والإيقاع بابن طولون، واستخلاف أماجور (a) عليها، فسار إلى الرّقّة.


(a) النسخ وبولاق: ماجور.
(b) بولاق: يدور.