الذي يصول به، وسنانه الذي يتّقي الأعداء بحدّه، لأنّي دأبت (a) في ذلك، وجعلته وكدي، واحتملت الكلف العظام والمؤن الثّقال باستجذاب كلّ موصوف بشجاعة، واستدعاء كلّ منعوت بغنى وكفاية، بالتوسعة عليهم، وتواصل الصّلات والمعاون لهم: صيانة لهذه الدّولة، وذبّا عنها، وحسما لأطماع المتشوّفين لها والمنحرفين عنها.
ومن كانت هذه سبيله في الموالاة، ومنهجه في المناصحة، فهو حريّ أن يعرف له حقّه، ويوفّر من الإعظام قدره، ومن كلّ حال جليلة حظّه ومنزلته. فعوملت بضدّ ذلك من المطالبة بحمل ما أمر به، والجفاء في المخاطبة بغير حال توجب ذلك، ثم أكلّف على الطّاعة جعلا، وألزم في المناصحة ثمنا. وعهدي بمن استدعى ما استدعاه الأمير من طاعته أن يستدعيه بالبذل والإعطاء والإرغاب والإرضاء والإكرام لا أن يكلّف ويحمل من الطّاعة مؤنة وثقلا.
وإنّي لا أعرف السّبب الذي يوجب الوحشة، ويوقعها بيني وبين الأمير - أيّده اللّه تعالى - ولا ثمّ معاملة تقتضي معاملة أو تحدث منافرة، لأنّ العمل الذي أنا بسبيله لغيره، والمكاتبة في أموره إلى من سواه، ولا أنا من قبله.
فإنّه والأمير جعفرا المفوّض - أيّده اللّه تعالى - قد اقتسما الأعمال، وصار لكلّ واحد منهما قسم قد انفرد به دون صاحبه، وأخذت عليه البيعة فيه أنّه من نقض عهده، أو أخفر ذمّته ولم يف لصاحبه بما أكّد على نفسه، فالأمّة بريئة منه ومن بيعته، وفي حلّ وسعة من خلفه.
والذي عاملني به الأمير من محاولة صرفي مرّة، وإسقاط رسمي أخرى، وما يأتيه ويسومنيه ناقض لشرطه مفسد لعهده. وقد التمس أوليائي، وأكثروا الطّلب في إسقاط اسمه وإزالة رسمه، فآثرت الإبقاء وإن لم يؤثره، واستعملت الأناة إذ لم تستعمل معي، ورأيت الاحتمال والكظم أشبه بذوي المعرفة والفهم، فصيّرت نفسي على أحرّ من الجمر وأمرّ من الصّبر،