فكان الماء يطلع من فوّارات، وينصب إلى أنهار قد صفّحت بالفضّة، تجري إلى حدائق فيها بديع الفروشات، وقد أقيم حولها تماثيل تصفّر بأنواع اللّغات. وأرخت على المجلس ستورا من ديباج، واختارت لابنها من حسان بنات عمّه وبنات الملوك وأزوجته، وحوّلته إلى هذه الجنّة، وبنت حول الجنّة مجالس للوزراء والكهنة وأشراف أهل الصّناعات، فكانوا يرفعون إليه جميع ما يعملونه، فإذا فرغوا من أعمالهم، حمل إليهم الطّعام والشّراب (١).
وكان بلاطس (a) تقلّد الملك بعد أبيه مرقورة وهو صبيّ، وكانت أمّه مدبّرة الملك وهي حازمة مجرّبة فأجرت الأمور على ما كانت عليه في حياة أبيه، وأحسنت وعدلت في الرّعيّة، ووضعت عنهم بعض الخراج (٢).
وكانت أيامه سعيدة كلّها في الخصب الكثير والسّعة للناس والعدل. وكان له يوم يخرج فيه إلى الصّيد، ويرجع إلى جنّته فيأمر لكلّ من معه بالجوائز والأطعمة، ويجلس للنّظر يوما في مصالح الناس وقضاء حوائجهم، ويخلو يوما بنسائه (٣).
وكان ملكه ثلاث عشرة سنة وجدر فمات.
وعمل قرسون بن فليمون بن أتريب منارا على بحر القلزم، وعلى رأسه مرآة [من أخلاط] (b) تجتذب بها المراكب إلى شاطئ البحر، فلا يمكنها أن تبرح إلاّ أن تعشّر، فإذا عشّرت سترت المرآة حتى تجوز المراكب.
وأقام قرسون مائتي سنة وستين سنة، وعمل لنفسه ناووسا خلف الجبل الأسود الشّرقي، في وسطه قبّة حولها اثنا عشر بيتا، في كلّ بيت أعجوبة لا تشبه الأخرى، وزبر عليها اسمه ومدّه ملكه (٤).
وكان مرقونس الملك حكيما محبّا للنّجوم والعلوم والحكمة، فعمل في أيّامه درهما إذا ابتاع به صاحبه شيئا اشترط أن يوزن (c) له ما يبتاعه منه بوزن الدّرهم ولا يطلب عليه زيادة، فيغترّ البائع بذلك، ويقبل الشّرط، فإذا تمّ ذلك بينهما وقع في وزن الدّرهم أرطال كثيرة تساوي عشرة
(a) الأصل وبولاق: ميلاطس. (b) إضافة من النويري. (c) في النسخ: يزن. (١) النويري: نهاية الأرب ٧٤: ١٥ - ٧٥. (٢) نفسه ٧٤: ١٥. (٣) نفسه ٧٥: ١٥. (٤) نفسه ٨٠: ١٥.