الشّعانين، وغير ذلك من أيّام اللّهو التي كانوا يسخون فيها بأموالهم رغبة في القصف والعزف. وذلك أنّه لا يبقى صغير ولا كبير إلاّ خرج إلى بركة الحبش متنزّها، فيضربون عليها المضارب الجليلة والسّرادقات والقباب والشّرّاعات، ويخرجون بالأهل والولد، ومنهم من يخرج بالقينات المسمعات المماليك والمحرّرات، فيأكلون ويشربون ويسمعون ويتفكّهون وينعمون.
فإذا جاء اللّيل أمر الأمير تميم بن المعزّ مائتي فارس من عبيدة بالعسس عليهم في كلّ ليلة إلى أن يقضوا من اللّهو والنّزهة أربهم وينصرفوا، فيسكرون وينامون كما ينام الإنسان في بيته، ولا يضيع لأحد منهم ما قيمته حبّة واحدة. ويركب/ الأمير تميم في عشاري، ويتبعه أربعة زواريق مملوءة فاكهة وطعاما ومشروبا، فإن كانت اللّيالي مقمرة، وإلاّ كان معه من الشّموع ما يعيد اللّيل نهارا. فإذا مرّ على طائفة واستحسن من غنائهم صوتا أمرهم بإعادته، وسألهم عمّا عزّ عليهم، فيأمر لهم به، ويأمر لمن يغنّي لهم، وينتقل منهم إلى غيرهم بمثل هذا الفعل عامّة ليله، ثم ينصرف إلى قصوره وبساتينه التي على هذه البركة، فلا يزال على هذه الحال حتى تنقضي هذه الأيام ويتفرّق النّاس (١).
وقال محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرّازي الحنفي، وتوفّي بدمشق سنة إحدى وخمسين وستّ مائة، يصف بركة الحبش في أيّام الرّبيع:
[الطويل]
إذا زيّن الحسناء قرط فهذه … يزيّنها من كلّ ناحية قرط
ترقرق فيها أدمع الطّلّ غدوة … فقلت لآلئ قد تضمّنها قرط
= سنة ٤١٧ هـ/ ١٠٢٦ م، فقد نقل عنه ابن عذاري بعض حوادث سنة ٤١٥ هـ (البيان المغرب ٢٧٢: ١). وألّف الرّقيق عددا من الكتب الهامة منها: كتاب «النّساء» وكتاب «الرّاح والارتياح» وكتاب «قطب السّرور في الأنبذة والخمور» و «نظم السّلوك في مسامرة الملوك»، أمّا الكتاب الذي ينقل عنه المقريزي فهو كتابه «تاريخ إفريقية والمغرب» الذي وجدت منه قطعة نشرها في تونس سنة ١٩٦٧ المنجي الكعبي. (راجع، ابن رشيق: أنموذج الزّمان في شعراء القيروان، جمع وتحقيق محمد العروسي المطوي وبشير البكوش، تونس - الدار التونسية للنشر ١٩٨٦، ٥٥ - ٦٤؛ ياقوت الحموي: معجم الأدباء ٢١٦: ١ - ٢٢٦؛ الصفدي: الوافي بالوفيات ٩٢: ٦ - ٩٣؛ ابن شاكر: فوات الوفيات ٤١: ١ - ٤٢؛ ابن خلدون: المقدمة (طبعة علي عبد الواحد وافي ٢٥٣: ١)؛ Sezgin، F.، GASI، p. ٣٦٠; Talbl، M.، El ٢ art.Ibn (al-Rakik III، p. ٩٢٧. (١) هذا النص في الأجزاء التي لم تصل إلينا من «تاريخ إفريقية والمغرب» للرقيق القيرواني، فما وصل إلينا من تاريخه فقط للولاة الأمويين والعباسيين بإفريقية!