واستقرّ النّصف من ريع هذه البركة على الأشراف الأقارب مع قلتّهم، والنّصف على الأشراف الطّالبيين مع كثرتهم. وتنازعوا غير مرّة على أن تكون بينهم الجميع بالسّويّة فلم يقدروا على ذلك، وعقد لهم مجلس غير مرّة فلم يقدروا على تغييره.
وأحسن ما وصفت به بركة الحبش قول عيسى بن موسى الهاشمي أمير مصر، وقد خرج إلى الميدان الذي بطرف المقابر، فقال لمن معه: أتتأمّلون الذي أرى؟ قالوا: وما الذي يرى الأمير؟ قال: أرى ميدان رهان (١)، وجنان نخل، وبستان شجر، ومنازل سكنى، وذروة جبل، وجبّانة أموات، ونهرا عجاجا، وأرض زرع، ومراعي ماشية، ومرتع خيل، وساحل بحر، وصائد نهر، وقانص وحش، وملاّح سفينة، وحادي إبل، ومفازة رمل، وسهلا وجبلا، فهذه ثمانية عشر متنزّها في أقلّ من ميل في ميل.
وأين هذه الأوصاف من وصف بعضهم قصر أنس بالبصرة في قوله:
[البسيط]
زر وادي القصر، نعم القصر والوادي … لا بدّ من زورة من غير ميعاد
زره فليس له شيء يشاكله … من منزل حاضر إن شئت أو بادي
تلقى به السّفن والأعياس حاضرة … والضّبّ والنّون والملاّح والحادي (a)) وقال:
[البسيط]
زر وادي القصر، نعم القصر والوادي … وحبّذا أهله من حاضر بادي
تلقى قراقيره والعيس واقفة … والضّبّ والنون والملاّح والحادي
/ هكذا أنشدهما أبو الفرج الأصبهاني في كتاب «الأغاني»، ونسبهما لابن عيينة أبو المنهال ابن محمد بن أبي عيينة بن المهلّب بن أبي صفرة (٢)، شاعر من ساكني البصرة. وقيل إنّ اسمه
(a-a) كل هذه الفقرة حاشية في أصل نسخة المؤلف وبدأها ناسخ نسخة آياصوفيا بقوله: «هكذا على الحاشية بخط المؤلّف من غير تخريج وتصحيح» وختم النقل بقوله: «انتهى ما وجدته بخط مؤلّفه على الحاشية من غير تخريج ولا تصحيح، فليتأمّل». (١) حاشية بخط المؤلّف: «هذا الميدان عرف بميدان المعافر وببطحاء قتب الحمار، وهو الذي يعرف اليوم بالرّصد». (٢) أبو الفرج الأصفهاني: الأغاني ٩٠: ٢٠ وقارن ياقوت الحموي: معجم البلدان ٣٦١: ٤ (وهي في وصف قصر عيسى ببغداد).