وذكر البلاذري أنّ أبا جعفر المنصور، لمّا ورد عليه قيام محمد (a) بن عبد اللّه، قال: يكتب السّاعة إلى مصر أن تقطع الميرة عن أهل الحرمين، فإنّهم في مثل الحرجة إذا لم تأتهم الميرة من مصر (١).
وقال ابن الطوير، وقد ذكر ركوب الخليفة لفتح الخليج: وهذا الخليج هو الذي حفره عمرو ابن العاص لمّا ولّي على مصر في أيّام أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب ﵁ من بحر فسطاط مصر الحلو، وألحقه بالقلزم بشاطئ البحر الملح، فكانت مسافته خمسة أيّام، ليقرّب معونة الحجاز من ديار مصر في أيّام النّيل. فالمراكب النّيلية تفرّغ ما تحمله من ديار مصر بالقلزم، فإذا فرّغت حملت ما في القلزم ممّا وصل من الحجاز وغيره إلى مصر. وكان مسلكا للتّجّار وغيرهم في وقته المعلوم.
وكان أوّل هذا الخليج من مصر يشقّ الطّريق الشّارع المسلوك منه اليوم إلى القاهرة، حافّا بالقربوص الذي على البستان المعروف بابن كيسان مادّا. وآثاره اليوم مادّة باقية إلى الحوض المعروف بسيف الدّين حسين صهر بني (b) رزّيك، والبستان المعروف بالمشتهى. وفيه آثار المنظرة التي كانت معدّة لجلوس الخليفة لفتح الخليج من هذا الطّريق (٢)، ولم تكن الآدرّ المبنية على الخليج هناك ولا شيء منها (٣).
وما برح هذا الخليج متنزّها لأهل القاهرة يعبرون فيه بالمراكب للنّزهة، إلى أن حفر الملك النّاصر محمد بن قلاوون الخليج المعروف الآن بالخليج النّاصريّ.
قال المسبّحيّ: وفي هذا الشّهر - يعني المحرّم سنة إحدى وأربع مائة - منع الحاكم بأمر اللّه من الرّكوب في القوارب إلى القاهرة في الخليج، وشدّد في المنع. وسدّت أبواب القاهرة التي يتطرّق
(a) ساقطة من بولاق. (b) بولاق: ابن. ما ذكره فيما تقدم ٥٣٨: ٢، ٥٥١ - ٥٦٠ عن الاحتفال بكسر الخليج نقلا عن «سيرة المعز لدين اللّه» لابن زولاق و «نزهة المقلتين» لابن الطّوير. (١) البلاذري: أنساب الأشراف ٢٦٩: ٣. (٢) ابن الطوير: نزهة المقلتين ٢٠٣. (٣) المسبحي: نصوص ضائعة ٢٩؛ المقريزي: اتعاظ ٨٥: ٢ وفيما تقدم ٧١. أورد المقريزي هنا في المسودة (١٦٢ و) نقلا عن ابن الطّوير ما ذكره عن مدينة القلزم، وهو النص الذي أورده المقريزي في المبيضة (فيما تقدم ٥٧٩: ١) عند ذكره مدينة القلزم.