وسلامه عليهما - حين أسكنها وابنها إسماعيل خليل اللّه إبراهيم - عليهما الصّلاة والسّلام - بمكّة. ثم تمادت الدّهور والأعوام، فجدّد حفره ثانيا بعض من ملك مصر من ملوك الرّوم بعد الإسكندر.
فلمّا جاء اللّه سبحانه بالإسلام وفتحت أرض مصر على يد عمرو بن العاصّ جدّد حفره، بإشارة أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب ﵁ فحفر (a) عام الرّمادة. وكان يصبّ في بحر القلزم، فتسير فيه السّفن إلى البحر الملح، وتمرّ في البحر إلى الحجاز واليمن والهند. ولم يزل على ذلك إلى أن قدم محمد بن عبد اللّه بن حسن بن حسن بن عليّ بن أبي طالب بالمدينة النّبويّة، والخليفة حينئذ بالعراق أبو جعفر عبد اللّه بن محمد المنصور، فكتب إلى عامله على مصر يأمره بطمّ خليج القلزم حتى لا تحمل الميرة من مصر إلى المدينة. فطمّه، وانقطع/ من حينئذ اتّصاله ببحر القلزم، وصار على ما هو عليه الآن.
وكان هذا الخليج أوّلا يعرف بخليج مصر، فلما أنشأ جوهر القائد القاهرة بجانب هذا الخليج من شرقيه، صار يعرف ب «خليج القاهرة»، وكان يقال له أيضا «خليج أمير المؤمنين» - يعني عمر بن الخطّاب ﵁ لأنّه الذي أشار بتجديد حفره. والآن تسمّيه العامّة ب «الخليج الحاكمي»، وتزعم أنّ الحاكم بأمر اللّه أبا عليّ منصورا احتفره. وليس هذا بصحيح، فقد كان هذا الخليج قبل الحاكم بمدد متطاولة، ومن العامّة من يسمّيه «خليج اللّؤلؤة» أيضا.
وسأقصّ من أخبار هذا الخليج ما وقفت عليه من الأنباء.
قال الأستاذ إبراهيم بن وصيف شاه، في أخبار طوطيس (b) بن ماليا بن كلكن بن خربتا ابن ماليق بن تدارس بن صا بن مرقونس من ولد (c) صا بن قبطيم بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح:
وجلس على سرير الملك بعد أبيه ماليا، وكان جبّارا جريئا شديد البأس مهيبا، فدخل عليه الأشراف وهنّوه ودعوا له، فأمرهم بالإقبال على مصالحهم وما يعنيهم، ووعدهم بالإحسان.
(a) بولاق: في. (b) بولاق: طيطوس. (c) ساقطة من بولاق. وتعدّ الباحثة أمل حسين علي نافع رسالة ماجستير بكلية الآثار - جامعة القاهرة موضوعها: «الخليج المصري من العصر الفاطمي وحتى نهاية العصر العثماني».