فانظر كلام العارف فيها واحذر من إفساد بشريّتك وتلاف أخلاقك باستعمالها. ولقد عهدناها وما يرمى بتعاطيها إلاّ أراذل النّاس، ومع ذلك فيأنفون من انتسابهم لها لما فيها من الشّنعة.
وكان قد تتبّع الأمير سودون الشّيخوني ﵀ الموضع الذي يعرف بالجنينة، من أرض الطّبّالة وباب اللّوق، وحكر واصل ببولاق، وأتلف ما هنالك من هذه الشّجرة الملعونة، وقبض على من كان يبتلعها من أطراف النّاس ورذلائهم، وعاقب على فعلها بقلع الأضراس، فقلع أضراس كثير من العامّة في نحو سنة ثمانين وسبع مائة.
وما برحت هذه الخبيثة تعدّ من القاذورات حتى قدم سلطان بغداد أحمد بن أويس فارّا من تيمور لنك إلى القاهرة في سنة خمس وتسعين وسبع مائة؛ فتظاهر أصحابه بأكلها، وشنّع النّاس عليهم. واستقبحوا ذلك من فعلهم، وعابوه عليهم. فلمّا سافر/ من القاهرة إلى بغداد، وخرج منها ثانيا وأقام بدمشق مدّة، تعلّم أهل دمشق من أصحابه التّظاهر بها.
وقدم إلى القاهرة شخص من ملاحدة العجم صنع الحشيشة بعسل خلط فيها عدّة أجزاء مجفّفة كعرق اللّقاح ونحوه، وسمّاها العقدة، وباعها خفية (a). فشاع أكلها، وفشا في كثير من النّاس مدّة أعوام.
فلمّا كان في سنة خمس عشرة وثمان مائة، شنع التّجاهر بالشّجرة الملعونة، فظهر أمرها واشتهر أكلها، وارتفع الاحتشام من الكلام بها، حتى لقد كادت أن تكون من تحف المترفين.
وبهذا السّبب غلبت السّفالة على الأخلاق، وارتفع ستر الحياء والحشمة من بين النّاس، وجهروا بالسّوء من القول، وتفاخروا بالمعايب، وانحطّوا عن كلّ شرف وفضيلة، وتحلّوا بكل ذميمة من الأخلاق ورذيلة … فلولا الشّكل لم تقض لهم بالإنسانية، ولولا الحسّ لما حكمت عليهم بالحيوانية. وقد بدا المسخ في الشّمائل والأخلاق، المنذر بظهوره على الصّور والذّوات، عافانا اللّه ﵎ من بلائه.