للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال صاحب كتاب «إصلاح الأدوية»: إنّ الشّهدانج يدرّ البول، وهو عسر الانهضام رديء الخلط للمعدة. قال: ولم أجد لإزالة الزّفر من اليد أبلغ من غسلها بالحشيشة، ورأيت من خواصّها أنّ كثيرا من ذوات السّموم - كالحيّة ونحوها - إذا شمّت ريحها هربت، ورأيت أنّ الإنسان إذا أكلها ووجد فعلها في نفسه، وأحبّ أن يفارقه فعلها قطّر في منخريه شيئا من الزّيت، وأكل من اللّبن الحامض. وممّا يكسر قوّة فعلها ويضعفه السّباحة في الماء الجاري، والنّوم يبطله.

قال كاتبه (a): دع ترّاهات (b) القوم، فما بلي النّاس بأفسد من هذه الشّجرة لأخلاقهم. ولقد حدّثني القاضي الرّئيس تاج الدّين إسماعيل [بن أحمد] (c) بن عبد الوّهاب بن الخطبا المخزومي (١)، قبل اختلاطه، عن الرّئيس علاء الدّين .... (d) بن نفيس، أنّه سئل عن هذه الحشيشة فقال: اعتبرتها فوجدتها تورث السّفالة والرّذالة. وكذلك جرّبنا في طول عمرنا من عاناها، فإنّه ينحطّ في سائر أخلاقه إلى ما لا يكاد أن يبقي له من الإنسانية شيء ألبتّة.

وقد قال ابن البيطار في كتاب «المفردات»: ومن القنّب نوع ثالث يقال له القنّب الهندي، ولم أره بغير مصر، ويزرع في البساتين، ويسمّى (e) بالحشيشة عندهم أيضا، وهو يسكر جدّا إذا تناول منه الإنسان قدر درهم، أو درهمين، حتى إنّ من أكثر منه يخرجه إلى حدّ الرّعونة، وقد استعمله قوم فاختلّت عقولهم، وأدّى بهم الحال إلى الجنون، وربّما قتلت.

ورأيت الفقراء يستعملونها على أنحاء شتّى. فمنهم من يطبخ الورق طبخا بليغا، ويدعكه باليد دعكا جيّدا حتى يتعجّن، ويعمله (f) أقراصا. ومنهم من يجفّفه قليلا ثم يحمّصه ويفركه باليد، ويخلط به قليل سمسم مقشور وسكّر ويستفّه ويطيل مضغه. فإنّهم يطربون عليه ويفرحون كثيرا، وربّما أسكرهم فيخرجون به إلى الجنون أو قريب منه. وهذا ما شاهدته من فعلها.

وإذا خيف من الإكثار منه، فليبادر بالقيء (g) بسمن وماء سخن حتى تنقّى منه المعدة، وشراب الحمّاض لهم في غاية النّفع (٢).


(a) بولاق: مؤلفه.
(b) بولاق: نزاهة.
(c) إضافة اقتضاها السياق.
(d) بياض في آياصوفيا.
(e) بولاق: ويقال له.
(f) بولاق: ويعمل منه.
(g) بولاق: إلى القيء.
(١) انظر فيما تقدم ١٦٠، ٢٧١، ٣٢٦.
(٢) ابن البيطار: الجامع لمفردات الأدوية ٣٩: ٤.